Webmaster Elie Abboud

back to Dr. Fouad Salloum page

Dr. Fouad Salloum  الدكتور فؤاد سلوم

حماية شارع تراثي واستثماره

14 أيار 2001

الدكتور فؤاد سـلوم

دكتوراه في التاريخ

إجازة في اللغة العربية وآدابها

 

مقدمّة :

" إحترام مجد المؤسسيين القديم، وهذه الشيخوخة المكرّمة في الإنسان، والمقدّمة في المدن. أدِّ الإكرام للآثار القديمة، وللأعمال العظيمة ..."

بلين (23 – 9 لا  ب .م)

 

في كل مدينة عريقة زوايا قديمة أو شارع عتيق سلم من غزو الاسمنت. وفي القبيات شارع عتيق، يكاد يكون مهجوراً، وهو في إهماله، ينتحي حزيناً.

 

إن الأمم العظيمة تنظر إلى ماضيها، تستمد العنفوان من مآثر الأجداد، فيقوى عزمه، ويشدها الطموح إلى مستقبل لائق بحضارة العصر، تعتز به أجيالها الطالعة، فتبارك من سعى وبنى... ولا يكون بناء المستقبل بهدم التراث، بل بالحفاظ عليه، ويتعهّده بالعناية، وباستثماره حضارياً ؛ ليكون التواصل مستمرًّا بين الجذور التي هي ماضي الأمّة، وبين الحاضر الذي تعاني منه وتسعى إلى تطويره، وبين المستقبل الزاهر الذي تطمح إلى تحقيقه.

 

 

المـوقع :

يتفرّع هذا الشارع مباشرة من الأوتوستراد عند " سنتر كرم"، باتجاه الغرب، الى نهر القبيات. في الشارع منازل آل حبيش ؛ جميل، ضوميط، يوسف، مطانيوس، والمنازل المهجورة للخوارنة الحبيشيين ... ثم ينعطف الشارع، جنوباً الى مطحنة " غزالة". يتميّز هذا الموقع بالفرادة والحيوية: من جهة، هو متصل بالحداثة، اذّ يتفرّع من أوتوستراد حديث، تماماً عند سنتر كرم " العصري الانيق ؛ ومن جهة أخرى، يتجاور مباني ومواقع أثريّة هامّة، ذات تاريخ حافل، إذ أصبحت دوراً هاماً في نشأة المدينة وتكوينها، مثل :

  قصر الشيخ مخول الضاهر الأثري الذي أدخل عالمياً على الانترنت.

  معمل الحرير الكبير، مؤسسة كازيني سابقاً.

  دير الآباء الكرمليين.

  منزول الشيخ عبد الله الضاهر، شهيد الاستقلال.

  كنيسة سيّدة الغسّالة العجائبية، الحديثة جداً، إلى جانب القديمة الصغيرة.

 

 

ويمكن، هنا، إضافة موقعين آخرين قريبين، قد يكونان، على الاحتمال، شديدي الأهميّة. هما :

  ما اشتهر باسم " مغارة عوّيك "، في حال شقت إليها طريق، ونظفّت وأعدّت للاستقبال.

  المغارة الطبيعية، على شاكلة مغارة جعيتا، التي انكشف منها ما عمق ستون متراً في حفريات الأوتوستراد، عند نهايته. وسيكون على البلدية الطموح أن تسعى إلى استكشافها وسبر أغوارها على أيدي مراجع علمية متخصصة ؛ فلربمّا ها هنا سيكون كنز القبيّات الأعظم.

 

 

القيمة التاريخية :

هذا الشارع القديم، الغني بالتراث ؛ بناه، وزرع حدائقه، وسكنه كهنة، جاءت طلائعهم من جبل لبنان، في بداية القرن التاسع عشر، حملوا معهم علماً وتقاليد وذوقاً لبنانياً جبلياً، مسهمين، بذلك، في إغناء الأواصر التي تشدّ القبيات إلى الجبل، كما في نهضتها. هؤلاء الكهنة من عائلة حبيش في كسروان ؛ أوّلهم الخوري ابراهيم حبيش الذي سم كاهناً سنة 1840، وسكن بدايةً، في حي الضهر ( لا يزال بيته قائماً). ثم، ابنه يوسف الذي سيم كاهناً سنة 1867 باسم بطرس، وهو الذي بنى البيت الذي لا يزال قائماً، وقد استعمل كنيسة لرعيّة حي الذوق، قبل بناء سيدة الحبل الحالية. ثم الخوري بطرس حبيش الثاني الذي سم كاهناً سنة 1887، فبنى بيتاً رائعاً، على شكل " فيلا" من الحجر المنحوت، حملت أعتابه تاريخ 1890، أخشابه وزخارفه مستوردة من ايطاليا ؛ لكن، للاسف، هدم وسوّيت أرضه بعد أن شيّدت إلى جانبه بناية من الاسمنت. والخوري الرابع هو موسى حبيش الذي سم كاهناً سنة 1892 باسم ميخائيل. هؤلاء الكهنة خدموا رعايا أحياء الضهر والذوق وغوايا، وكانوا متعلمين يجيدون الإنشاء والوعظ، كما اشتهروا بالخط الجميل.

 

 

القيمة الأثرية :

في الشارع أربعة بيوت أثرية، وحائط السكر القديم، والطاحون المائي.

 

البيت الاول : منزل الخوري بطرس حبيش الأول. يقع على جرف صخري عمودي، فكأنه معلق فوق النهر. الطراز لبناني شرقي. يُدخل اليه من قنطرة الايوان العالية الواسعة المفتوحة على مصطبة. حجر عقد القنطرة يحمل تاريخ 1880، مع عبارة دعاء منقوشة. صدر الديوان فيه بابان معقودان، تحمل عتبتاهما تواريخ وكتابات تقوية ونقوشاً منوّعة. إلى جانب أحد البابين حجر غريب المصدر يحمل كتابة عربية بالخط الفارسي. في حائط الديوان الغربي باب يقضي إلى غرفة غربية تطلّ على النهر بشبّاك مزدوج، مشابه للأوّل. الى الشرق، غرفتان.

 

يتصل بهذا البيت، آخر، من حجر، أضيفت اليه منافع من الاسمنت، وكراج من التنك، مما شوه الواجهة  بهذا البيت الثاني يتصل ثالث، من حجر، واسع، داخله مزخرف، هو بيت يوسف حبيش، ويتصل بالسكر.

هذا الوضع، أي بيوت ثلاثة، متسعة، متصلة، يمكن أن تشكل مركزاً اجتماعياً مهمّاً.

                  

البيت الرابع، يقع عبر الطريق عند عطفة الشارع، من حجر أبيض مقصوب، بحيث الابواب والشبابيك، فيه نقوش، ودرج مشكوك في الحائط على طريق التزفير ؛ غرف متراصفة.

 

حائط السكر القديم : حجري، بعلو متر ونصف، وهو بقيّة باقية من أيام الفينيقيين، بطول مئة متر، تدلّ حجارته على أنه رُمّم عدّة مرّات، وبعضها من طراز صليبي. انه يشهد على عزٍّ قديم، وعلى جهد الاجيال التي شقّت المجرى، من نبع " الجوز " عبر عشرات الكيلومترات، للري، ولادارة ستة طواحين، آخرها طاحون " شمعة".

 

الطاحون المائي الحجري : يصب السكر في جبّه العالي، وراء بيت يوسف حبيش ؛ ويوصل اليه بمنعطف عند بيت بطرس حبيش الثاني، وبمنحدر قوي تحت الجرف الصخري. اسمه " مطحنة غزالة"، يملكه آل عبدو. تهدّم، وسلم الجب. الجدير ذكره، هنا، أن هذا الطاحون كان موضوعاً للَوْحةٍ زيتيّة رائعة، رسمها الفنّان اللبناني العالمي صليبا الدويهي، في الأربعين من القرن العشرين، نقلتها بعض الكتب المدرسية، ويحتفظ بها، الآن، نقيب أصحّاب المطابع جوزف الرعيدي، في دارته، في إهدن، ويحرص عليها ككنز ثمين.

 

ثم إن المدن العريقة، في أوروبا، تحافظ على طواحين الماء فيها، تعتبرها من التراث النفيس، وتروّج لها، في النشرات السياحية ( مدينة Angers  الفرنسية، مثلاً ).

 

 

هدف المشروع  :

    حفاظ على التراث والبينة،... وسياحة.

    حفظ التراث من التشويه والضياع.

     شهادة على عراقة المدينة.

     سياحة تعرِّف بالمدينة، وتدِّعم اقتصادها.

    حماية البيئة باعماره وتنظيمه، فلا يعود مكباً للنفايات، ومرتعاً للقوارض. 

 

 

كلفة المشروع  :

تتحدّد وجهة الاستعمال الاجتماعي، والاستثمار السياحي.

 

 

التمويل :

  عن طريق ما ترصده البلدية.
  تبرعات من متوّلين قبيّاتيّين، مقيمين ومهاجرين.
  هبات من مصادر عالمية ومؤسسات معنية بمثل هذا الموضوع ( الاونيسكو مثلاً).
  عن طريق تطوّع لجان أهلية خاصّة (أصدقاء الشارع العتيق مثلاً). تقوم بنشاطات يرصد ريعها من أجل حمايته واستثماره.
 

 

في الخلاصة :

إن الفرادة، في موقع الشارع ومحتوياته، تسهّل لأن تجعل منه مقصداً للسيّاح، يتعرفون من خلاله، وما يجاوره، على ماضي المدينة، ويشهدون لحاضرها، ويتوقعون بعضاً من مستقبلها، فيحبّونها كما يحبّها أهلها.

 

وليس على الجهات المعنية، بلدية - على الأخص - أو وزارة، أو جمعيات أهلية، إلا أن تبادر إلى حمايته من التشويه والهدم، بوضع إشارة الحماية عليه، لتعدّه، من بعد، ليكون مركزاً لاستثمارات معيّنة، كبيع الخمور العالية الجودة، والدخان، والعطور، والحلى، والنوائس الشرقية ... الخ. أو يهيّأ بعضه كمكتبه عامّة أو مسرح ... أو ما يراه ذوو الخيال والمبدعون من عمل جليل. وقد يسهّل المهمّة أن اكثر العقارات موروثة، يشترك في ملكيتها عديدون، يصعب عليهم تصفيتها ؛ فيزهدون في مباشرة الإجراءات المكلفة عليها، لقاء نصيب زهيد.

 

أما، نحن، بدورنا، فنتوسّم في بلدية القبيّات، رئيساً وأعضاءً، نفوساً حضارية، متوثبة إلى اعتناق الجمال والخير والحق، تحبّ مدينتها، وتطمح لأن تجعل منها لؤلؤة بين المدن، فلا تكتفي بالعادي من الأعمال، وإنما تتوق وتنهض إلى الانجاز الكبير الذي يستوي مع الطموح الكبير. ولأنهم على ذلك المستوى من الثقافة، نحبّ أن نذكرّهم ببيتٍ للمتنبي، يقول:

وكلُّ امرئٍ يولي الجميل محبّبٌ

وكل مكانٍ ينبت العزّ طيّب

 

14 أيار 2001

الدكتور فؤاد سلوم

دكتوراه في التاريخ

إجازة في اللغة العربية وآدابها

 

Electronic Edition designed by

Webmaster Elie Abboud

back to Dr. Fouad Salloum page