back to Eaux-Kobayat

back to Books

 

وثيقة للنقاش

 من أجل حملة وطنية للمحافظة على المياه

 

أزمة المياه في لبنان: أزمة إدارة رسمية فاسدة ومفسدة

المحافظة على المياه تستلزم حملة شعبية شاملة بوجه الخصخصة والفساد

 

د. جوزف عبدالله

 

فهرس:

 

المقدمة

الحقوق المكتسبة على المياه

الإطار العالمي لخصخصة المياه

قيمة لبنان المائية

قصة خصخصة المياه في لبنان

الإدارة المحلية للمياه والإدارة المركزية

خلاصة: التأكيد على النداء

 

شهد صيف هذا العام سلسلة تحركات رسمية وشعبية حول موضوع المياه. التحركات الرسمية تجلت في صدور عدة مراسيم تنظيمية لضبط عمل المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، على قاعدة القانون 221 تاريخ 29-5-2000 الداعي إلى خصخصة قطاع المياه في لبنان، وتعديلاته، وقيام هذه المؤسسات بحملة لحل ودمج بعض لجان المياه الأهلية؛ أما التحركات الأهلية فظهرت بتحركات للنقابات العمالية رفضاً للخصخصة، وبقيام العاملين في مصالح المياه التي ألغاها هذا القانون بالمطالبة بحفظ حقوقهم، بالإضافة إلى تحرك المجتمعات المحلية دفاعاً عن لجان المياه الأهلية (التطوعية) التي قضى القانون الجديد بحلها وإلغائها نهائياً. وكان أبرز هذه التحركات ما قامت به بلدتا القبيات وعندقت في عكار، رفضاً لتسليم إدارة المياه إلى مؤسسة مياه لبنان الشمالي.

 

إن الاعتراض الشعبي على القانون 221، وعلى مساعي مؤسسة مياه لبنان الشمالي، تمخض عن تشكيل لجنة متابعة في القبيات وعندقت ضمت العديد من الفعاليات، بينها رئيسا البلدية في كل منهما وأعضاء المجلس البلدي والمخاتير والجمعيات الأهلية والناشطين في الحركات السياسية والثقافية والمهنية...، وأصدرت "لجنة المتابعة لقضية المياه في القبيات وعندقت" أكثر من نداء كان أبرزها: "نداء من أجل الحملة الوطنية للمحافظة على المياه، وتعديل القانون رقم 221 "تنظيم قطاع المياه"، ورفض خصخصة قطاع المياه".

 

تجاوباً مع هذا النداء الذي دعا إلى عقد لقاءات ومؤتمرات لتوضيح طبيعة أزمة المياه في لبنان، من حيث إدارتها وكلفتها وعلاقة المواطنين بها، وضعنا هذا البحث المقتضب، على أمل مناقشته من قبل القراء والمواطنين، وليشكل مدخلاً على حوار جدي حول المياه.

 

مقدمة

 

1- يعيش لبنان أزمة مائية عميقة وخطيرة تتجلى في نقص القدرة على تأمين الخدمات المائية للمواطنين، كتوفير مياه الشرب والخدمة المنزلية ومياه الري ومعالجة المياه المبتذلة والمحافظة على سلامة المياه اللبنانية من التلوث، فضلاً عن العجز عن المحافظة على كميات المياه المتساقطة والجارية. وليس هناك شك بأن الحكومات المتعاقبة منذ حوالي 15 سنة مسؤولة، بحكم السياسات المائية المتبعة، عن هذه الأزمة التي تشكل جزءاً من الأزمة العامة التي تتخبط فيها البلاد على شتى الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولعل هذه الأزمة المائية تظهر في عكار، على الرغم من غناها بالمياه، أكثر مما تظهر في غيرها من المناطق اللبنانية. ومعظم ما تقوم به المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه يركز الجهد في المدن الكبرى، ويبقي الفتات للمناطق الريفية، ومنها عكار.

 

تتجلى هذه الأزمة المائية في عكار في مجالات متعددة أبرزها:

- العجز المستمر في مؤسسة مياه لبنان الشمالي (والموروث عن المصالح المائية السابقة عليها في الشمال) عن توفير المياه (للشرب والخدمة المنزلية، وللري، ومعالجة المياه المبتذلة، والمحافظة على المياه من التلوث...). إن معظم البلدات والقرى العكارية التابعة في الخدمات المائية لمؤسسة مياه لبنان الشمالي تعاني أزمة الانقطاع المستمر لمياه الشرب، حتى أن الكثير من المواطنين ألغى اشتراكه بمؤسسة مياه لبنان الشمالي واستعاض عنه بحفر بئر ارتوازية، أو باشتراك في بئر خاصة. ناهيك عن غياب الاهتمام المطلق بمياه الري أو بمعالجة المياه المبتذلة.

 

- عدم قدرة مؤسسة مياه لبنان الشمالي على توفير أبسط أشكال البنية التحتية اللازمة لاستخدام المياه: شبكات المياه وخزانات (لمياه الشرب والخدمة المنزلية)، وأقنية الري، ومحطات تكرير المياه المبتذلة، والسدود... إن معظم قرى أكروم مثلاً لا توجد فيها خزانات وشبكات للمياه، كما لا توجد أقنية للري في كل عكار، وحتى مشروع بركة الكواشرة فقد أصبح رميماً، أما محطات التكرير فهي نادرة، والقليل الموجود منها تمّ بمبادرة شراكة من مؤسسات المجتمع الأهلي المحلية والعالمية والبلديات (هناك واحدة تم إنشاؤها بمبادرة من البعثة البابوية وبالتعاون بين بلديتي القبيات وعندقت، وهي غير مكتملة، وأخرى في بلدة الشيخ محمد...).

 

- العجز المستمر في مؤسسة مياه لبنان الشمالي عن تلبية حاجاتها المالية، ولعل ذلك يعود، في قسم أساسي منه، إلى امتناع المشتركين عن تسديد بدلات اشتراكهم كرد فعل على العجز المزمن عن توفير المياه لهؤلاء المشتركين.

 

- الغياب التام للاهتمام بحماية البيئة، وبحماية الينابيع والمياه الجارية والجوفية من التلوث.

 

- لا يعني ذلك أن مؤسسة مياه لبنان الشمالي (وبالأصح المصالح المائية السابقة عليها في الشمال، ووزارة الطاقة والمياه، ومجلس الإنماء والإعمار) لم تصرف المبالغ الطائلة تحت شعار توفير البنى التحتية للخدمات المائية. بل على العكس، لقد تم صرف المليارات في هذا المجال. ولكن المشاريع التي صرفت عليها هذه الأموال كانت مرتجلة وفوضوية ومعظمها جاء كتوزيع للمنافع على المحسوبيات من الملتزمين والمتعهدين، وفق منطق الفساد والهدر السائد في البلاد.

 

ولعل بضع بلدات وقرى عكارية تشهد حالة من الاكتفاء المائي على صعيد الشرب والخدمة المنزلية والري. وذلك لكون إدارة واستثمار المياه فيها هي بعهدة لجان أهلية محلية أو في عهدة البلديات، مثل القبيات وعندقت وفنيدق وبزبينا ورحبة وسيسوق. أما بلدة عكار العتيقة فتعيش نوعاً من الاكتفاء المائي على الرغم من عدم وجود لجنة محلية ومن عدم تدخل البلدية في إدارة المياه، بل بفعل مبادرات فردية غير متكاملة.

 

2- تحاول الدولة اللبنانية مواجهة الأزمة المائية باعتماد سياسة مائية تحمل المواطنين أعباء هذه الأزمة وأعباء الفشل المتولد عن منهج الفساد والهدر الذي يتحكم بمجمل السياسة العامة في البلاد. وكان آخر ما لجأت إليه الدولة هو إصدار القانون رقم 221 تاريخ 29 أيار 2000، وتعديلاته المتلاحقة والمراسيم التطبيقية له التي جاء آخرها في ربيع وصيف العام 2005.

 

إن القانون رقم 221 المخصص من أجل "تنظيم قطاع المياه" في لبنان (وتعديلاته المتلاحقة والمراسيم التنظيمية المرتبطة به) يشكل خطراً على المياه كثروة عامة، كما يشكل تعدياً على الحقوق المكتسبة على المياه بوصف هذه الحقوق من صنف الحقوق العينية، ومن نوع الملكية الفردية الخاصة. فضلاً عن تجاوزه لكل أشكال الإدارة اللامركزية للمياه (اللجان المحلية والبلديات).

 

- نصت الفقرة 3 من المادة الثانية على: "وضع مشروع التصميم العام لتخصيص وتوزيع الموارد المائية للشرب والري على نطاق الدولة...". ليس من العبث أن تأتي الخصخصة في طليعة اهتمامات الدولة في "تنظيم قطاع المياه"، فهذا يؤشر على اعتماد سياسة سترهن القرار المائي بالشركات المائية العالمية وبمؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. والخصخصة التي باشرت بها أولاً مؤسسة مياه لبنان الشمالي، في نهاية العام 2002، هي من نوع خصخصة الإدارة المقترنة بالحصول على قروض مشروطة قاسية للغاية، وستكلف المواطن أعباءً مالية مرهقة، كما سنبين لاحقاً تحت عنواني: "الإطار العالمي لخصخصة المياه" و"قصة خصخصة المياه في لبنان".

 

- لا يعترف هذا القانون في أية مادة من مواده (كما لا تلحظ تعديلاته المتلاحقة والمراسيم التطبيقية المرتبطة به) بالحقوق المكتسبة على المياه المكرسة بالقوانين وبالسجلات العقارية وبالعرف والعادة. وكأن المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه قد مارست الاستملاك غير المباشر للحقوق المكتسبة على المياه، عبر وضع يدها عليها، ودون أن تسلك طرق الاستملاك العادية. وهذا ما سنعرضه بالتفصيل تحت عنوان "الحقوق المكتسبة على المياه".

 

- ألغت المادة الثامنة من القانون رقم 221، والمرسوم رقم 8122 (تحديد بعض دقائق القانون رقم 221) تاريخ 3 تموز 2002، اللجان المحلية ودور البلديات في إدارة المياه. ومن المعروف أن اللجان المحلية والبلديات تقوم بإدارة المياه إدارة ناجحة بعكس تلك الإدارة العامة التي تشوبها العيوب ويعتريها الفساد والهدر المعروفين. وهذا ما سنعرضه، على سبيل المقارنة بين الإدارة العامة المركزية والإدارة المحلية (اللجان المحلية أو البلديات) اللامركزية، تحت عنوان "الإدارة المحلية للمياه والإدارة المركزية".

 

- تؤكد مؤسسة مياه لبنان الشمالي، في جميع المراسيم التنظيمية الناظمة لعملها، على رغبتها برفع تعرفة الاشتراك بمياه الشرب والري معاً، وذلك ينسجم تماماً مع الدعوات الرسمية المحلية والدولية المهتمة بالمياه اللبنانية. وكأن المواطن اللبناني لا يكفيه أنه يدفع فاتورة كهرباء واتصالات هي من الأغلى في والعالم.

......................................................................

 back to Top

 

الحقوق المكتسبة على المياه

 

أ- ما معنى الحقوق المكتسبة على المياه؟

المياه مصدر أساسي لحياة الإنسان (كل الإنسانية) ونشاطه وبيئته. وهي إرث وطني مشترك بين جميع اللبنانيين، ولذلك هي ملكية عامة يحرص الدستور والقانون على تحديد طبيعتها وكيفية التصرف بها وفق مقتضيات السيادة الوطنية والمنفعة العامة. لقد نصت المادة الأولى من القرار رقم 144: "تشمل الأملاك العمومية... جميع الأشياء المعدة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال مصلحة عمومية. وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن". ومن الأملاك العمومية المياه الجارية، السطحية وتحت الأرض، والينابيع من أي نوع كانت، والبحيرات...

 

ويحدد القرار 144 المعدل بالقرار 11 بتاريخ 13 كانون الثاني 1940 الخاص بالملك العام والقرار رقم 320 الصادر بتاريخ 26 أيار 1926 كيفية "المحافظة على مياه الأملاك العمومية".

 

ولكن المياه أيضاً هي "حقوق مكتسبة" للجماعات والأفراد يحفظها الدستور والقانون. فمن حق الجماعات والأفراد الانتفاع من المياه وفق طرق ومقادير يحددها العرف والقانون. وحقوق الانتفاع هذه تعرف بالحقوق المكتسبة على المياه. وهي حقوق فردية بالحصول على مياه الشرب وعلى مياه الري من الينابيع والأنهار.

 

لا تظهر الحقوق المكتسبة على المياه في كل الأمكنة والمجتمعات. فمجتمعات المدينة التي لا تخترقها المجاري المائية مثلاً قلما تعرف الحقوق المكتسبة على المياه، أو تهتم بها لفقدان الزراعة المروية أهميتها في الحياة الاجتماعية في المدن. وكذلك الأمر في المناطق الريفية حيث تسود الزراعة البعلية. ولكن حيثما وجدت عبر الزمن واستمرت حتى اليوم ينابيع ومجاري مائية طبيعية، استخدمتها المجتمعات المحلية، المنتشرة من منبع المياه وعلى طول مجراها، في شربها وري زراعتها، نشأت الحقوق المكتسبة على المياه التي كرستها القوانين والأعراف.

 

ولقد كفل الدستور والقانون هذه الحقوق المكتسبة في القرار رقم 144 تاريخ 10-6-1925 (الأملاك العمومية) وفي القرار رقم 320 تاريخ 26-5-1926 (المحافظة على مياه الأملاك العمومية واستعمالها)، وفي القرارات 186 و187 و188 الصادرة بتاريخ 15-3-1926 (إنشاء السجل العقاري). فالمادة 8 من القرار 188 المعدلة بالقرار 215 بتاريخ 26-12-1933 لحظت: "يكون لقيود السجل العقاري قوة ثبوتية... على صحة الوقائع الواردة فيها". كما أن المادة 17 من القرار 188 المعدلة بالقرار 45 بتاريخ 20-4-1932 تنص على "إن الحقوق العينية المسجلة في السجل العقاري وفقاً لمنطوق محاضر التحديد والتحرير لا يمكن الطعن بها".

 

وينطلق مبدأ الحقوق المكتسبة من المادة الثالثة من القرار 144 المذكور حيث نص: "إن الأشخاص الذين لهم على ملحقات الأملاك العمومية كما هي محددة في هذا القرار حقوق ملكية أو تصرف أو استمتاع بموجب العادات المتبعة أو سندات قانونية ونهائية... لا يمكن انتزاعها منهم إذا أحوجت إلى ذلك المنفعة العامة الضرورية إلاّ بعد دفع تعويض عادل ومسبق". و"التعويض عند تصفية الحقوق المكتسبة على المياه لا يترتب فقط عن كون الأراضي مروية أو غير مروية، إنما يتوجب بمقتضى المادة الثالثة من القرار 144 على الحرمان من الحق ذاته سواء كان هذا الحق مستعملاً أم غير مستعمل"[1].

 

إن هذه الحقوق المكتسبة "الفردية" في الاستفادة من مياه الينابيع والأنهار مكرسة بمحاضر المساحة العائدة لأملاك المواطنين بالعبارة الآتية: "منتفعة بالري من مياه نبع..."، أو بحكم العرف والعادة المتبعين منذ مئات السنين. إن قيمة الأراضي المروية أكبر من الأراضي البعلية بما للأراضي المروية من حقوق في مياه الينابيع والأنهار التي ترويها وفق العرف والتقليد المتبعين.

 

إن الحقوق المكتسبة على المياه هي بمثابة حقوق الملكية الفردية الخاصة التي لا يجوز المس بها، وهي من نوع الحق العيني على الأملاك العامة. فالدستور اللبناني في المادة 15 منه ضمن هذه الحقوق، ووضع شروط وأصول انتزاع الدولة لها: "الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة وفي الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً".

 

إن هذه الحقوق المكتسبة على المياه، خاصة في مجال الري، تنطوي على طرق وأساليب تعتمدها منذ مئات السنين الجماعات المحلية في ري مزروعاتها، بطريقة الشورى والاختيار في تعيين "الشاوي" وفق رغبتها، أو في اختيار اللجان المحلية لإدارة شؤون المياه أو إدارتها من قبل البلديات. ومن هنا للجماعات المحلية حقوق في كيفية إدارة المياه وليس فقط في الانتفاع منها.

 

فكيف تسوغ وزارة الطاقة والمياه لنفسها انتزاع هذه الحقوق المكتسبة بغير ما يقضي به الدستور والقوانين المرعية؟ وهل يسكت المواطن على انتزاع حقوقه، ويقبل بتسليمها إلى الشركات المائية الأجنبية لتتصرف بها بدون رغبته وموافقته؟ إن "الدولة مسؤولة عن تقصيرها في حماية الحقوق المعترف بها وتقاعسها عن منع التعديات عليها"[2]، و"تسأل الدولة التعويض عن تقاعسها في رفع الاعتداءات على المياه تجاه أصحاب الحقوق المكتسبة على هذه المياه"[3]. ولكن إذا تقاعست الدولة عن القيام بواجباتها، فإن المواطن لن يسكت عن المطالبة بحقوقه.

ب- أين الخطر على الحقوق المكتسبة على المياه؟

1- لقد تم وضع القانون رقم 221 تاريخ 29 أيار 2000 (وتعديلاته اللاحقة)، والمعروف باسم "قانون رقم 221، تنظيم قطاع المياه"، من أجل الشروع بخصخصة المياه في لبنان. إن "الفقرة 3" من المادة الثانية من القانون رقم 221 تقول صراحة، وبلا مواربة: "وضع مشروع التصميم العام لتخصيص وتوزيع الموارد المائية للشرب والري على نطاق الدولة ووضع مشروع المخطط التوجيهي العام للمياه والصرف الصحي وتحديثه باستمرار ورفعه بواسطة الوزير إلى مجلس الوزراء".

 

إن القانون رقم 221 تاريخ 29 أيار 2000 الذي أغفل تماماً الحقوق المكتسبة على المياه يسعى إلى خصخصة هذه الحقوق المكتسبة وهي ملكية خاصة، وليست ملكية عامة. فكيف يخصخص ما هو ملك خاص؟ وبهذه الطريقة في تنظيم قطاع المياه في لبنان؟

 

إن مشروع خصخصة المياه لم يأخذ بعين الاعتبار أية حقوق مكتسبة على المياه، وعليه تتصرف وزارة الطاقة والمياه بهذه الحقوق المكتسبة وكأنها غير موجودة، وبذلك تكون قد انتزعتها من أصحابها بغير مسوغ قانوني. وصارت مياه الشرب والري التي كانت ملكية للجماعات والمواطنين ويحفظها القانون (فضلاً عن كونها ملكية عامة)، مادة غريبة عنهم ولم تعد بتصرفهم. وصار استخدام المواطنين لما هو ملك لهم مرهون بإرادة ومشاريع الشركات الأجنبية التي تفوز بعقود الخصخصة.

 

2- إن المرسوم رقم 14603 تاريخ 14 حزيران 2005، الذي يحدد نظام استثمار مؤسسة مياه لبنان الشمالي، تجاهل الحقوق المكتسبة على المياه. فالمادة الأولى من المرسوم نصت: "يحدد هذا النظام علاقة المؤسسة بالمشتركين والمنتفعين من مياه الشفة والري وجمع ومعالجة وتصريف المياه المبتذلة ضمن نطاق استثمارها". ولكنه لم يشر مطلقاً إلى أصحاب الحقوق المكتسبة وتجاهلها تجاهلاً كاملاً في كافة مواد المرسوم وبنوده، خاصة وأن المادة 57 من هذا المرسوم حددت "المستفيد من مياه الري" حصراً بالمشتركين الذين يوقعون عقد اشتراك مدفوع البدلات عن خدمات الري: "يستفيد من توزيع مياه الري كل شخص طبيعي أو معنوي وقعت معه المؤسسة عقد اشتراك منظماً حسب الأصول".

 

كما نصت "الفقرة ب" من المادة الرابعة من القانون رقم 221 (29-5-2000) على أن من مهام كل واحدة من "المؤسسات الاستثمارية العامة للمياه": "اقتراح تعرفات لخدمات مياه الشفة والري وتصريف المياه المبتذلة...". وحددت المادة الحادية والسبعون من المرسوم رقم 14603 (14-6-2005) أنواع الكلفة التي ستقع على المستفيد من مياه الري: "تستوفي المؤسسة البدلات التالية: 1- في حال عدم وجود عداد: بدل ري بالجاذبية، بدل ري بالضخ؛ 2- في حال وجود عداد: بدل المتر المكعب المستهلك من المياه؛ 3-  بدل عداد سنوي مقطوع وفقاً لقياس العداد؛ 4- بدل وصل على شبكة الري؛ 5- بدل براءة ذمة؛ 6- بدل إفادة بعدم انتفاع؛ 7- بدل كشف؛ 8- بدل تركيب محرك ضخ جديد على أقنية الري؛ 9- بدل مرور قساطل فوق قناة رئيسية؛ 10- بدل إنشاء عبارة فوق قناة رئيسية. تفصل هذه البدلات عند الحاجة وتحدد تعرفتها بموجب لائحة سنوية يقرها مجلس الإدارة وتصدق من قبل سلطة الوصاية". هذا فضلاً عن أكلاف إضافية تقتضيها الشروط التي نصت عليها مواد المرسوم رقم 14603، من المادة 58 حتى المادة 70.

 

وخلاصة الأمر، أن تنظيم قطاع المياه، على الشكل المبين أعلاه بسرعة، ألغى تماماً الحقوق المكتسبة على المياه. وحول هذه الحقوق المكتسبة التي كانت توفر المياه للري بشكل مجاني تقريباً، إلى سلعة يدفع ثمنها من كان قبل تطبيق القوانين الجديدة يحصل عليها مجاناً تقريباً.

 

كان على المرسوم رقم 14603 (14-6-2005)، وغيره من القوانين الناظمة لقطاع المياه في لبنان، أن يتعرف إلى الحقوق المكتسبة على المياه: "إن المعرفة الإدارية للحقوق المكتسبة على المياه تجري وفقاً لنص المادة 21 من القرار 320 (26-5-1926) إما بطلب من صاحب العلاقة الذي يرغب في أن يُعترف له بالحق الذي يتصرف به، وإما بمبادرة من الإدارة المختصة إذا كان الأمر متعلقاً بدرس عام لتهيئة حوض ماء أو لوضع إحصاء بالمنافع المائية الموجودة في إحدى المناطق"[4].

 

وبما أن كل من القانون 221 (29 أيار 2000) والمرسوم رقم 8122 (3-7-2002) والمرسوم رقم 14603 (14-6-2005) يتعلق بتهيئة أحواض مائية، فقد كان على الإدارة أن تهتم بمعرفة الحقوق المكتسبة على المياه وذلك لأن "المباشرة بعمليات معرفة الحقوق المكتسبة على المياه، بمبادرة من الدولة أو من أحد الأفراد، تؤدي بصورة غير مباشرة إلى تحديد المنسوب الباقي من الملك العام: أي منسوب مجرى الماء الذي تحسم منه الكمية التي اكتسبت عليها الحقوق..."[5]. وذلك لأنه "ليس بوسع الإدارة العامة أن تتصرف إزاء الحقوق المكتسبة كما لو كانت هذه الحقوق من ملحقات الملك العام. فليس باستطاعتها أن تطبق على هذه الحقوق نظام الأملاك العامة"[6]. خاصة وأن "مجلس الشورى قرر بأنه من غير الجائز إعطاء الترخيص باستعمال الفائض من المياه قبل تحديد الحقوق المكتسبة على المياه"[7].

 

3- نصت المادة الثالثة من القانون رقم 221 على إنشاء "المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه". وهي أربع مؤسسات: واحدة في بيروت وجبل لبنان، ومركزها بيروت؛ وثانية في الشمال، ومركزها طرابلس؛ وثالثة في البقاع، ومركزها زحلة؛ ورابعة في الجنوب، ومركزها صيدا. و"تتمتع المؤسسات المذكورة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري...". ورسم المرسوم رقم 8122 تاريخ 3 تموز 2002 (تحديد بعض دقائق تطبيق القانون رقم 221): "المادة الأولى: تدمج المصالح المستقلة والمشاريع واللجان القائمة حالياً بإدارة واستثمار مياه الشفة والري، في المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه... ويحدد تباعاً بقرار من وزير الطاقة والمياه بناءً لاقتراح مجلس إدارة المؤسسة العامة الاستثمارية للمياه المعنية تاريخ توقف كل مصلحة أو لجنة أو مشروع عن العمل...".

 

إن المرسوم رقم 14913، تاريخ 5 تموز 2005، الذي حدد "تنظيم مؤسسة مياه لبنان الشمالي وتحديد ملاكها..." عدل بطبيعة مصالح المياه وتسميتها، ودمجها ببعضها البعض، وصار تنظيمها الجغرافي والإداري مرتبط بما يسمى "مديرية الاستثمار"، وصارت مديرية استثمار لبنان الشمالي عبارة عن ثلاث مصالح (المادة 53): مصلحة طرابلس وجوارها؛ مصلحة الناحية الشمالية وفيها (المادة 63) أربع دوائر: الضنية، المنية، حلبا، عكار؛  مصلحة الناحية الجنوبية وفيها (المادة 64) أربع دوائر: زغرتا، بشري، الكورة، البترون. وتقدر مؤسسة مياه لبنان الشمالي، وفق المرسوم رقم 14913، عدد العاملين الذين يجب توفرهم بحدود 1271 موظفاً وعاملاً، منهم 422 إدارياً و849 فنياً، موزعين على فئات ورتب وتتراوح رواتبهم الشهرية (بالليرة اللبنانية)، في الحد الأدنى بين 2500000 للمدير العام، وبدرجة 100 ألف، و375000 للعامل في السلك الإداري من أدنى فئة وبدرجة 20000، و455000 للعامل في السلك الفني من أدنى فئة؛ وتتراوح في الحد الأقصى بين 4600000 للمدير العام، و900000 للعامل في السلك الإداري من أدنى فئة، و1020000 للعامل في السلك الفني من أدنى فئة.

 

وهكذا فإن التنظيم الجديد الذي يقضي به القانون رقم 221 (29-5-2000) وتعديلاته والمرسوم رقم 14603 (14-6-2005) والمرسوم 14913 (5-7-2005) ألغى كل أشكال الإدارة المحلية للمياه والتي كانت تنظمها المجتمعات المحلية أو تقوم بها البلديات، واستبدلها بإدارة مركزية مثقلة بهرمية من الموظفين الذين سيكلفون الكثير من الأعباء لإنجاز ما كان تقوم به إدارة محلية تطوعية. وفوق ذلك تأتي الخصخصة لتزيد من الأعباء المالية التي سيترتب على مستهلكي المياه تسديدها. وفي كل الحالات ألغت هذه القوانين الحقوق المكتسبة على المياه، بإلغائها الحق المتعارف عليه منذ مئات السنين بإدارة هذا الحق إدارة محلية غير معقدة وأقل كلفة بكثير. ومن هذه الإدارات المحلية لجان القرى لمياه الشرب خاصة، ومؤسسة "الشاوي" لمياه الري.

 

ج- الحقوق المكتسبة "مشكلة"؟! والتعدي عليها حلّ؟!

هل تعترف وزارة الطاقة والمياه، ومؤسسات المياه الأربع، بأن للمواطنين حقوقاً مكتسبة على المياه؟ نعم تعترف الوزارة بوجود تلك الحقوق، كما تعترف بذلك إدارات مؤسسات المياه. ولكن الوزارة ترى في هذه الحقوق مشكلة، أما الحل فيكون باللجوء إلى الباطل، أي بالتعدي على هذه الحقوق بما يخالف القوانين المرعية الإجراء.

 

ولكن هذا الاعتراف لا يأتي في النصوص القانونية الناظمة لقطاع المياه وإدارته، بل يأتي عرضاً. ففي 27-3-2003، في ورشة عمل حول السياسة المائية في لبنان، نظمها برنامج دعم السياسة المائية في لبنان والممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بالتنسيق مع وزارة الطاقة والمياه... في هذه الورشة أشار مستشار المشروع منير أبو غانم، وهو يتحدث عن صعوبات السياسة المائية إلى وجود "أملاك عامة يترتب عليها حقوق للأهالي في أكثر من منطقة"[8]. أما عضو مجلس إدارة مؤسسة مياه لبنان الشمالي، المهندس زكريا الزعبي، فيقول في ندوة في طرابلس في مركز "جمعية خريجي مؤسسة الحريري" بتاريخ 12-4-2003: "إن أهم العقبات التي تعترض الخصخصة في موضوع المياه هي الحقوق المكتسبة على المياه، وكون المياه ملكاً عاماً لا يمكن بيعه إلى القطاع الخاص"[9]. وهكذا يكون الحق مشكلة، أما التعدي عليه فهو الحل! هكذا هي الخصخصة: نقلب الحق مشكلة، ونجعل المشكلة هي الحل.

------------------------------------

back to Top

 

الإطار العالمي لخصخصة المياه

 

المعطيات الطبيعية: "ندرة" المياه

ثمة مشكلة عالمية في المياه، وهي تكمن في ندرة المياه الصالحة للشرب. من هنا علينا اعتماد شعار "فكر عالمياً وناضل محلياً"، لنتمكن من فهم مشكلتنا، خاصة في خصخصة المياه وتنظيم هذا القطاع وفق القانون رقم 221. باختصار، علينا أن نفهم مشكلة المياه على صعيد العالم كله.

 

نشرت "الموند ديبلوماتيك" (أهم شهرية عالمية بالفرنسية) مقالاً جاء فيه: "تعتبر شركة نستليه أن شرب المياه الصافية والجيدة بات امتيازاً نادراً"[10]. وفي الحقيقة، تشير الدراسات العالمية حول المياه إلى أن المياه العذبة المتوفرة في العالم تتراوح بين 2.5 و3% من مجمل المياه على الكرة الأرضية. ذلك "أن 97.5% % من مياه الكرة الأرضية (1400 مليون كلم مكعب) مالحة. وأن قسماً كبيراً من المياه العذبة موجود في الأعماق أو في جبال الجليد. وهناك فقط 26% من المياه العذبة التي يسهل على الإنسان بلوغها" (La Tribune, 5-4-2000). وأن قسماً آخر ملوث جداً، "فنصف أنهار وبحيرات وبرك أوروبا وأميركا الشمالية ملوثة للغاية" (المرجع السابق). وعلى العموم هناك من يرى أن النسبة الفعلية من المياه الصالحة للشرب هي حوالي 1% فقط من مياه العالم.

 

ولما كان توزيع المياه في العالم غير متساو مع عدد السكان وتجمعاتهم وحاجاتهم، فإن "شخصاً واحداً من كل خمسة أشخاص في العالم (أي 1.2 مليار إنسان) لا يحصل على مياه الشرب الصالحة. كما أن إثنين من كل ثلاثة أشخاص غير مرتبطين بشبكة للصرف الصحي. وحولي 5 ملايين شخص يموتون سنوياً بأمراض على علاقة بالمياه" (المرجع السابق). يعني كل ذلك أن هناك ندرة عالمية للمياه الصالحة للشرب، ولهذه الندرة انعكاسات خطيرة على البشرية.

 

معطيات العلاقات الدولية

وعلى قاعدة هذه الندرة بدأت المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية تتحسس خطورة مشكلة المياه. فاعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 2000، المياه أولوية في الخطة الألفية. واتخذت قمة التنمية المستدامة في جوهانسبرغ، في أيلول 2002، نفس الموقف. وتم اعتبار العام 2003 عام المياه العذبة.

 

وفي نفس العام 2003 حصل المنتدى العالمي الثالث للمياه (منتدى كيوتو، من 16 إلى 23 آذار 2003). توزع المنتدى على 351 جلسة دارت حول 38 موضوعاً عن المياه، وحضره 24 ألف شخص من 182 بلد من العالم. (شدد المنتدى على إشراك المواطنين والمجتمعات المحلية في إدارة المياه).

 

ومن المؤشرات العالمية على الاهتمام بالمياه تأسيس "المجلس العالمي للمياه" و"الشراكة العالمية للمياه" و"سكريتاريا المنتدى العالمي للمياه"... ولكل ذلك اعتبرت الأمم المتحدة الحق بالحصول على المياه من ضمن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. واعتبرت "لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية..." المياه ثروة عامة وأساسية للحياة والصحة... هذا فضلاً عن التخوف من نشوب "حروب السيطرة على المياه"، أو على الأقل صراعات التحكم بالمياه...

 

تقول "الموند ديبلوماتيك" (تشرين الثاني 1997): "في السبعينيات (من القرن الماضي) شهد العالم عدة "صدمات" نفطية. أما القرن القادم (القرن الواحد والعشرون) فقد يشهد مع الأسف نزاعات جيوسياسية وتجارية أكبر بكثير، لأنها مرتبطة بالسيطرة على مصدر لا غنى عنه للحياة، وهو متوفر بكميات محدودة: المياه". إن السودان ومصر وأثيوبيا يتنازعون على مياه النيل. وحوض دجلة والفرات موضع نزاع بين تركيا وسورية والعراق. وحوض الأردن (ومنه جنوب لبنان) موضع نزاع بين الكيان الإسرائيلي ولبنان والفلسطينيين والأردن. والصين ولاوس وتايلاند تتنازع على مياه ميكونغ. والصين وروسيا تتنازع على مياه نهر أمور. لقد أحصت الأمم المتحدة 300 منطقة نزاع محتملة حول المياه.

 

معطيات العولمة الرأسمالية والنيوليبرالية

المياه هي "الذهب الأزرق": إن ندرة المياه العذبة في العالم دفعت بالكثيرين إلى تسمية المياه "الذهب الأزرق"، على غرار النفط "الذهب الأسود". لقد نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" The Christian Science Monitor مقالاً بعنوان لافت: "انسوا منظمة النفط العالمية (الأوبك)، ها هم تجار المياه العذبة، سيصبح "الذهب الأزرق" (المياه) في القرن الحادي والعشرين ما كان عليه "الذهب الأسود" (النفط) في القرن الماضي"[11]. "بعد حوالي عقد من الزمن سيصبح الماء أهم من النفط"[12]، هذا كلام المهندس فادي قمير مدير التجهيز المائي والكهربائي، قبل أن يصبح بسحر ساحر نصيراً متحمساً للخصخصة.

 

يوم كان الوزير الحالي المهندس محمد قباني رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في مجلس النواب، فإنه قال في "ندوة حول مسألة المياه في لبنان"[13]، في 13-2-2002: "نشرت وكالة رويترز قبل عام ونيف دراسة تقول أنه إذا تحققت توقعات العلماء بأن الماء سيصبح سلعة نادرة ونفيسة مثل النفط خلال القرن الحالي... فإن ثروة النمسا المائية قد تعادل حينها ثروة السعودية النفطية". فما قوله اليوم بثروة لبنان المائية؟

 

وليس من العبث أن تجار المياه العالميين في الشركات العملاقة، على تنوعهم، شرعوا ببناء "ناقلات المياه" على غرار "ناقلات النفط". وهناك من يبني مستوعبات بلاستيكية عملاقة بطول 200م المستوعب الواحد لنقل المياه في البحار، وهناك من يعتمد الأنابيب الضخمة للنقل...

 

وتبيع تركيا وفرنسا وعدد من البلدان الأوروبية المياه في العالم، وهناك تجارة المياه في القناني... وتعمل إيران على تزويد الكويت بالمياه من نهر قارون عبر خط مياه بطول آلاف كلم...

 

لقد ترافق كل ذلك مع استفحال حركة العولمة الرأسمالية وطغيان موجة النيوليبرالية على المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، لاسيما بعد "إجماع واشنطن"، وانهيار التوازن العالمي، ما مكن البلدان الرأسمالية المتطورة من فرض شروطها على بلدان الجنوب. ويأتي في طليعة تلك الشروط ربط مساعدات البلدان المتقدمة صناعياً لبلدان الجنوب بتطبيق ما يسمى برامج الإصلاح الهيكلي أو إعادة الهيكلة التي تقع الخصخصة في الصدر منها. هذا هو الحضن العالمي الذي يبشر بخصخصة المياه في كل مكان، وهو الذي وصل إلينا في لبنان.

 

لا يعني ذلك أن العولمة الرأسمالية والإجراءات النيوليبرالية، ومنها الخصخصة، مجرد عملية قسرية تفرضها البلدان المتقدمة صناعياً على بلدان الجنوب. بل تشارك في تنظيم ذلك وتدبيره الطبقات المسيطرة في بلدان الجنوب والمتحالفة مع قوى الرأسمالية العالمية المسيطرة في بلدان الشمال.

 

back to Top

 

قيمة لبنان المائية

 

1- الموارد المائية اللبنانية

يعتبر لبنان بنظر الكثيرين خزان مياه فعلي للمنطقة (وليس له وحده فقط)، وهذا ما يجعله في واحدة من بؤر الصراع على المياه في الشرق الأدنى[14]. يرى د. منذر خدام: "إن أغلب الدراسات حول موضوع المياه في لبنان تنظر إليه كخزان مائي يفيض كثيراً عن سعته، بسبب التهطال الغزير فوقه من جهة، ومحدودية الطلب المحلي على المياه من جهة ثانية. لذلك تطلعت إليه الأنظار للبحث عن حل إستراتيجي لمشكلة المياه في العديد من دول المنطقة وتحديداً في إسرائيل"[15].

هناك اختلاف كبير في تقدير إجمالي ما يتوفر للبنان من المياه. فالمهندس محمد فواز مدير عام التجهيز المائي والكهربائي يقدر كمية الأمطار التي تهطل سنوياً في لبنان "بنحو 9.7 مليار متر مكعب في العام 1969"[16]. وتعتمد هيام ملاط في مؤلفها "مياه لبنان، نفط لبنان" نفس الكمية إذ تقول: "تقدر كمية الأمطار والثلوج التي تتساقط فوق الأرض اللبنانية ب: 9700 مليون متر مكعب"[17]. "أما الدراسة المشتركة التي أعدها مجلس الإنماء والإعمار وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP ومنظمة الأغذية والزراعة الفاو FAO، في عام 1983، فقدت اعتمدت تقديراً أقل من السابق بنحو 500 مليون متر مكعب، أي 9.2 مليار متر مكعب في السنة. وهناك تقديرات للأب بلاسار الذي وضع خريطة مطرية للبنان عام 1970، تبلغ 8.2 مليار متر مكعب سنوياً"[18].

واستناداً إلى دراسة سعد الدين مدلل عن مصادر الجامعة الأميركية في بيروت والتي تشمل الفترة من عام 1890 إلى 1960، موزعة على فترات من 30 سنة... "يمكن تقدير إجمالي كميات الأمطار بنحو 9.15 مليار متر مكعب سنوياً"[19]. وتختلف عن هذه التقديرات في كميات هطول الأمطار قراءة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، الإسكوا ESCWA، التي تجعل كمية الأمطار الهاطلة بحدود 6870 مليون متر مكعب[20].

وكما يبرز الاختلاف في تقدير كميات هطول الأمطار، تختلف التقديرات أيضاً في تعيين المياه المتوفرة في لبنان. يرى خدام أنه "يبلغ الإيراد السنوي من المصادر المائية السطحية في لبنان نحو 4131.6 مليون متر مكعب، يذهب منها إلى سورية وفلسطين نحو 648 مليون متر مكعب"[21]. وهو يعتبر أن ينابيع لبنان السطحية تؤمن "نحو 47 مليون م3 سنوياً، ويضاف إليها نحو 105 ملايين م3 يستخدمها سكان الريف من دون أن تدخل في أية تقديرات للموارد المائية السطحية"[22]. وعلى العموم يرى خدام "أن إجمالي المتاح من إيرادات مائية سطحية في لبنان بعد اقتطاع ما يذهب منها إلى الخارج يقدر بنحو 3387 مليون م3، منها 2558 مليون م3 تتأمن في موسم الغزارة من كانون الأول وحتى أيار، و820 مليون م3 في موسم الشح من حزيران حتى تشرين الثاني"[23].

تقترب أرقام هيام ملاط من أرقام خدام حول المياه السطحية، فتقول: "يبقى للبنان من المياه السطحية 3375 مليون متر مكعب"[24]. ولكن معطيات الإسكوا تشير إلى أرقام أقل بكثير بالنسبة للمياه السطحية في لبنان. فهي تجعل الكمية 2500 مليون مكعب[25]. وبالإضافة إلى المياه السطحية هناك المياه الجوفية المخزونة التي تقدرها ملاط بحدود 600 مليون متر مكعب[26]. ونفس الكمية من المياه الجوفية تعطي تقديرات الإسكوا[27]. وذلك بعكس تقديرات سابقة للأمم المتحدة يذكرها خدام: "مصادر الأمم المتحدة قدرت، في عام 1970، ما يتسرب من مياه الأمطار إلى الأحواض الجوفية بنحو 3000 مليون م3، يخزن منها نحو 1165 مليون م3 فقط، والباقي يتفجر عبر الينابيع أو يذهب خارج الحدود"[28].

 

2- الميزان المائي اللبناني

نقصد بالميزان المائي العلاقة بين الماء المتوفر (أو عرض الماء) والكميات المطلوبة (الطلب على الماء). تبلغ قيمة المياه السطحية الصافية تبعاً لدراسة هيام ملاط "مياه لبنان..." 3375 مليون م3. يقترب من ذلك، بزيادة طفيفة، تقدير خدام في مؤلفه "الأمن المائي..." بحوالي 3387 مليون م3. وذلك بعكس تقدير الإسكوا التي تجعل كمية المياه السطحية 2500 مليون م3 فقط. وعليه يتكون عرض الماء الصافي من هذه المياه السطحية المتوفرة، ضاربين صفحاً عن المياه الجوفية التي تتشارك التقديرات بأنها بحدود 600 مليون م3. وكذلك بصرف النظر عن كميات الأمطار التي تهطل سنوياً والتي يتراوح تقديرها بين 6870 مليون متر مكعب (الإسكوا) وأكثر من 9 آلاف مليون م3 في تقديرات أخرى متنوعة. وهذه الكميات من الأمطار يمكن بكثير من اليسر تجميعها وتخزينها لتصبح صالحة لاستخدامات شتى.

أما الطلب على المياه فيتكون من الحاجات التي يستلزمها الطلب الزراعي للري والطلب المنزلي (للشرب والخدمة المنزلية) والطلب الصناعي.

تقدير الطلب الزراعي: "تبلغ المساحة القابلة للزراعة في لبنان 430 ألف هكم2، يزرع منها 146 ألف هكم2 بعلاً، و66.9 ألف هكم2 رياً حسب تقديرات الفاو. بينما تقدر المنظمة العربية للتنمية الزراعية المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة بنحو 90 ألف هكم2 والمساحة المزروعة بعلاً بنحو 148.9 ألف هكم2، والمساحة المروية بنحو 93.4 ألف هكم2"[29]. واستناداً لذلك، وعلى اعتبار أن كل هكم2 يحتاج لريه إلى 10 آلاف م3 من المياه، فإن الزراعة تحتاج إلى (66900×10000) 669 مليون م3 من المياه، أو إلى (93400× 10000) 934 مليون م3 من المياه.

تقدير الطلب المنزلي: تختلف الدراسات والتقديرات للحاجات المنزلية من المياه. كما تختلف تقديرات حاجة الفرد اليومية لمياه الشرب والخدمة المنزلية على خلافها. ولكن اعتبار حاجة الفرد اليومية المنزلية بحدود 200 ليتر تبدو معقولة للغاية في لبنان. وعل ضوء هذا التقدير تكون الحاجة من المياه للخدمة المنزلية في لبنان بحدود (4 ملايين نسمة × 200 × 365) 272 مليون متر مكعب من المياه.

تقدير الطلب الصناعي: "في الوقت الحالي يقدر الطلب الصناعي على المياه بنحو 50 مليون م3. ويمكن أن يرتفع إلى 240 مليون م3 في العام 2010"[30]. تتفق معظم المراجع على اعتماد كمية 50 مليون م3 لحاجة مائية للصناعة راهناً.

ويكون مجمل الطلب على المياه بحدود: 934 + 272 + 50 = 1256 مليون م3.

 

قدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إجمالي المياه المستخدمة سنوياً خلال الفترة الممتدة بين سنة 1996 وسنة 2000 بقيمة 1480 مليون م3، منها 1060مليون م3 للزراعة و50 مليون م3 للصناعة والباقي 370 مليون م3 للخدمة المنزلية[31]. يبدو لنا في هذا التقدير شيء من المبالغة في تقدير الحاجة للمياه في الزراعة والخدمة المنزلية.

 

جدول[32] تقديرات الميزان المائي في لبنان عام 2000

 

عرض المياه

 

مليون م3

الطلب على المياه

مليون م3

المصادر السطحية:

المجموع

منها في موسم الغزارة

منها في موسم الشح

المخزون الجوفي المتاح

3378

2558

820

400

للزراعة

للمنازل

للصناعة

900

270

50

المجموع الكلي، غزارة

المجموع الكلي في الشح

 

3778

1220

 

المجموع

 

1220

 

يتضح لنا أن الميزان المائي في لبنان يحقق فائضاً كبيراً نسبياً يبلغ (3378 – 1220) 2158 مليون م3 من المياه السطحية فقط، في موسم الغزارة من كانون الأول حتى حزيران. ويقع في عجز تدريجي في موسم الشح الذي يبلغ ذروته في آب وأيلول، وهذا العجز تغطيه المياه الجوفية المتاحة: (820 + 400) = 1220.

 

من المفيد أن نذكر ما لاحظه منذر خدام في خلاصته عن الميزان المائي اللبناني: "تختلف الدراسات اللبنانية المحلية بشأن تقدير إيرادات لبنان المائية، كما تختلف بشأن احتياجات لبنان المائية. المهندس بسام جابر يقدر إيرادات لبنان المائية بأقل من ملياري م3، في حين أن د. كمال حمدان يقدرها بنحو 2.2 مليار م3، ويزيد بها د. فخر الدين دكروب بحيث تصل إلى نحو 3375 مليون متر مكعب[33]...". ولكن خدام يعتبر أن تقدير الحاجة إلى ري كل هكتار بعشرة آلاف م3 من المياه سنوياً مبالغ فيه في ظروف لبنان حيث الهطولات المطرية كثيفة عادة، ما يجعل حاجة الهكتار الواحد سنوياً بحدود 7 آلاف م3 كافية، وهذا ما يخفض من الحاجة إلى مياه الري وهي التي تستهلك حوالي 70% من المياه، بينما تحتاج الصناعة إلى 20% والخدمة المنزلية إلى حوالي 10%.

 

وباختصار لا يواجه لبنان أزمة مائية وشيكة، ومستوى الأمن في الميزان المائي اللبناني جيد. وكل هذه الحسابات تغيب كمية الهطولات المطرية ولا تدخلها في الحسبان. فما يتساقط في لبنان من أمطار وثلوج تبلغ قيمتها حولي 9 مليار م3 من المياه، وتذهب هدراً في البحر، يمكنها أن تزيد بكثير على كميات المياه السطحية المتجددة. وهذا ما لا يصعب العمل على تخزينه استناداً إلى تقنية السدود الكبيرة والمتوسطة والصغيرة. ويكفينا ما تقوله "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" بخصوص مياه لبنان: "يشكل قطاع المياه العذبة والصرف الصحي واحدة من أولويات لبنان. ففي هذه المنطقة (الشرق الأوسط) حيث تبدو المياه العذبة عنصراً إستراتيجياً، يتمتع لبنان بمصادر مائية وافرة نسبياً، دون أن يتمكن من السيطرة عليها سيطرة كلية"[34].

.................................................

 

back to Top

 

قصة خصخصة المياه في لبنان

 

بدأت شركات المياه العالمية، والفرنسية تحديداً، بالتسلل تدريجياً إلى قطاع المياه في لبنان مع الشروع في الخطة العشرية لإعادة الإعمار. وكانت تلك البدايات من خلال ما يسمى تقديم "عقود المساعدة الفنية". وما تلك العقود غير دراسات تجريها الشركات العملاقة للقطاعات المجدية مالياً في بلدان العالم الثالث. وفي هذا السياق يقول مدير عام شركة أونديو لبنان الدكتور جان كلود سيروبيان: "إن شركة ليونيز ديزو الفرنسية (هي نفس شركة أونديو) أجرت سنة 1993 أول تقييم لواقع المياه ضمن إطار عقد المساعدة الفنية مع الدولة اللبنانية، وإن نتائج هذا التقييم كانت تتلخص على الشكل التالي: هيكلية جامدة... وقد تم اقتراح الحلول التالية: إعادة الهيكلة...[35]" وفي طليعة قواعد "إعادة الهيكلة" تأتي الخصخصة، بطبيعة الحال.

 

وفي نيسان 1999، "رعت فرنسا مؤتمراً دولياً للتقريب بين أصحاب القرار في لبنان والمؤسسات الفرنسية في مجال استثمار المياه. وهذا ما دفع الشركات العملاقة في حقل المياه للتقدم بخدماتها. ومنها شركة ليونيز ديزو (سويز) التي قامت بعدة دراسات مائية في لبنان... وكانت مؤسسات البنك الدولي والحكومة الفرنسية قد سرّعت من العملية، خاصة على ضوء العلاقة الحميمة بين الرئيس الفرنسي شيراك والرئيس الحريري"[36].

 

وفي العام 1999 أيضاً فتحت "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية"[37] Agence Française de Développement AFD فرعاً لها في لبنان هو بروباركو[38] Proparco، ليتابع ميدانيا إمكانيات تنفيذ برامج إعادة الهيكلة والخصخصة خاصة في لبنان.

 

وفي 7-12-2000، وقعت وكالة التنمية الفرنسية عقداً مع الدولة اللبنانية لتجهيز شبكة المياه في طرابلس. ولكن الأمر تجاوز مجرد التجهيز إلى إعادة الهيكلة. يوضح موقع الوكالة الفرنسية على الإنترنت أن المشروع: "سيساعد على وضع عقد شراكة بين مؤسسات المياه الرسمية، التابعة للدولة، والقطاع الخاص، على أن يكون ذلك بإشراف مجلس الإنماء والإعمار[39]. طبعاً جرى كل ذلك بطريقة مبكرة وقبل طرح الخصخصة الإدارية بالطرق المطلوبة قانونياً.

 

وكانت أولى المقدمات في خصخصة قطاع المياه في لبنان بتوقيع وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون مذكرة تفاهم مع مصرف "سوسيتيه جنرال" في 29 حزيران 2001. تقضي المذكرة باعتماد المصرف المذكور كاستشاري لمساعدة الوزارة في وضع سياسة خصخصة قطاع المياه موضع التنفيذ. وحدد "سوسيتيه جنرال" نوع المهمة الموكلة إليه: "إرشاد الدولة اللبنانية في إطار خصخصة قطاع المياه والمياه المبتذلة. بمعنى آخر سنجد بالتعاون مع الدولة أفضل إستراتجية لتحسين هذا القطاع... تعالج المهمة عدة جوانب: مالية، تقنية، اقتصادية، قانونية ونظامية"[40]. إن فريق العمل مؤلف من المصرف SGBL  اللبناني وSG الفرنسي ومستشار تقني ومستشار اقتصادي ومستشار قانوني ومدقق حسابات".

 

وهنا يجدر بنا ملاحظة أن "سوسيتيه جنرال" اللبناني SGBL هو فرع من (أو مندمج في) "سوسيتيه جنرال" SG الفرنسي أو العالمي. نقول ذلك للإشارة إلى الدور الذي يلعبه الرأسمال المحلي في استقدام الشركات المالية العالمية للتحكم بقدرات لبنان الاقتصادية ومرافقه الحيوية. ولقد وقع مذكرة التفاهم المذكورة كل من رئيس مجلس إدارة الفرع اللبناني في "سوسيتيه جنرال" موريس صحناوي، وعن الفرع الفرنسي جان فيليب لوفيفر.

 

وكان من الطبيعي بعد كل هذا الدور الذي لعبته المؤسسات الفرنسية، وخلفها السلطات الفرنسية، أن يقع اختيار مصرف "سوسيتيه جنرال" الفرنسي الأصل، وهو الاستشاري المعتمد لخصخصة المياه في لبنان، على الشركات الفرنسية لتتولى تنفيذ خصخصة المياه. جاء مصرف "سوسيتيه جنرال" بشركتين فرنسيتين للمناقصة على خصخصة إدارة المياه في الشمال: فيفاندي Vivendi وليونيز ديزو Lyonnaise des eaux (أونديو) Ondeo. وفازت شركة أونديو بالمشروع وفتحت لها فرعاً في لبنان باسم أونديو لبنان. وكانت صيغة المشروع تقضي بأن يعمد لبنان إلى الشروع بإعادة هيكلة مصالح المياه، باتجاه الخصخصة، ومن هنا تضمن "القانون رقم 221 تنظيم قطاع المياه"، في البند 3، من المادة الثانية: "وضع مشروع التصميم العام لتخصيص الموارد المائية للشرب والري على نطاق الدولة...".

 

- خصخصة إدارة المياه تكلف 45% من قيمة القروض!؟

وتم الاتفاق على أن تقدم الدولة الفرنسية عبر "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" قرضاً للدولة اللبنانية بقيمة 20 مليون يورو، بتاريخ 12 كانون الأول 2002. على أن تتقاضى الشركة الفرنسية، أونديو، مبلغ 9 ملايين يورو بدل إدارتها للمشروع[41]، ويبقى بالتالي مبلغ 11 مليون يورو لتنفيذ الأعمال المطلوبة لتحسين واقع المياه في طرابلس، وجاء في موقع "اليوم الإلكتروني" على الإنترنت، تحت عنوان "مؤشرات الأسهم، خصخصة إدارة المياه في طرابلس لبنان": "وقع وزير الطاقة والمياه اللبناني محمد عبد الحميد بيضون عقداً مع شركة أونديو الفرنسية لإدارة مصلحة مياه مدينة طرابلس في شمال لبنان يعتبر الأول في إطار مشروع خصخصة إدارة المياه في لبنان. وستدير الشركة الفرنسية مياه طرابلس لمدة 4 سنوات عبر قرض بقيمة 20 مليون يورو تموله وكالة التنمية الفرنسية خصص منه تسعة ملايين يورو لإدارة المشروع و11 مليون يورو لتنفيذ مشاريع..."[42]. ومعنى ذلك ببساطة أن الدولة اللبنانية اقترضت من الفرنسيين 20 مليون يورو ليذهب 45% منها (أي 9 ملايين يورو) إلى الفرنسيين. هذه هي سياسة الخصخصة نقترض لندفع سلفاً لمن يعطينا القرض حوالي نصفه! إنها سياسة "من دهنو سقيلو"!

 

ويوضح مدير عام شركة أونديو لبنان، د. جان كلود سيروبيان، بعض تفاصيل العقد: " نوع العقد: إدارة... مدة العقد 4 سنوات تبدأ في شباط 2003. المحيط الجغرافي: طرابلس وجوارها. الهدف: استثمار، إنتاج المياه، إدارة الزبائن، إيجاد نظام معلومات، المحاسبة، إحصاء الزبائن، وضع عدادات المياه. امتداد المساعدة الفنية لباقي مناطق لبنان الشمالي. وعن التواريخ الأساسية فقد حددها د. سيروبيان على الشكل التالي: 2003: انطلاق الأشغال ووضع اليد على الاستثمار؛ 2004: انطلاق أعمال البنى الأساسية؛ 2005: الاستقرار الأمثل للتنظيم والتشغيل؛ 2006: العمل بنظام متكامل"[43].

 

شركة أونديو تتقاضى بموجب عقد الخصخصة 9 ملايين يورو (45% من قيمة القرض) بدل إدارة لمدة أربع سنوات، وإذا أضفنا إلى ذلك قيمة الفائدة على القرض، وهي ما بين 2.5% و3%، فكم ستكون خصخصة المياه مربحة للبنان؟ لنحاول إجراء عملية حسابية بسيطة، انطلاقاً من القرض المذكور. إذا اقترضت الدولة 100 ألف دولار تحصل عملياً على قرض قيمته الفعلية 55 ألف دولار وقيمته الاسمية 100 ألف دولار، لأن 45 ألف دولار تذهب، كبدل إدارة، للشركة المحسوبة على الجهة التي تقدم القرض. وإذا اعتبرنا الفائدة هي 2.5%، وأن سداد القرض سيبدأ بعد 10 سنوات، فإن الفائدة الإجمالية البسيطة ستصبح 25%. يعني ذلك أن القرض الاسمي 100 ألف دولار يصبح بعد عشر سنوات 125 ألف دولار. وبما أن القرض الفعلي هو فقط 55 ألف دولار، تكون قيمة الفائدة الفعلية بعد 10 سنوات هي: 125 ألف $ - 55 ألف $= 70 ألف دولار.

 

فتصورا كم هي مجزية عملية خصخصة المياه إذا كانت تتم على منوال القرض الذي رأيناه. ومن هنا علينا المطالبة بكشف جميع عمليات الخصخصة وعمليات الاقتراض المرافقة له، كما جميع عمليات الاقتراض. لا شك أن ذلك يكشف لنا عمق الهاوية التي تقودنا إليها هذه السياسات الاقتصادية. إذا استمرت الأمور على هذه الشاكلة، سيأتي يوم تقول لنا فيه الجهات التي قدمت القروض: أيها اللبنانيون لقد اقترضتم من المبالغ كميات ليس بمقدور حكوماتكم تسديدها. عليكم تسليمنا كل مياهكم (خصخصة شاملة) ونحن نتصرف بها، استثماراً وبيعاً، حتى نتمكن من تحصيل ما لنا بذمتكم. فهل ننتظر تلك الساعة، أم نتحرك رافضين بيع المياه اللبنانية بالمزاد العلني العالمي، أي بيع حقوقنا المكتسبة على مياهنا والمياه كثروة عامة؟

 

وإذا احتسبنا مع ذلك بدل الإدارة الذي تأخذه مؤسسة مياه لبنان الشمالي وأجور موظفيها والعاملين فيها، فكم ستبلغ قيمة المصاريف الإدارية؟ وكم ستكون الخصخصة مجدية؟ وكيف ستسهم الخصخصة في خفض الدين؟ ولنتذكر أن نسبة الأجور والرواتب والنفقات الإدارية لمجموع الموازنة في مصلحة مياه طرابلس كانت بين عام 1979 و1980 43%[44]. إن النسبة التي تحصل عليها شركة أونديو بدل إدارتها لمؤسسة مياه لبنان الشمالي هي أعلى بكثير من النسبة المتعارف بها عالمياً، والتي تبلغ 35%[45]. يجب أن نعرف أن ربح شركات المياه الفرنسية يتراوح داخل فرنسا بين 3% و6% فقط. بينما يتراوح خارج فرنسا، في بلدان العالم الثالث، بين 15% و25%. مرة أخرى أيضاً، هذه هي الخصخصة، ربح للشركات الأجنبية ولعملائها المحليين، وأعباء على المواطنين!

 

- مؤسسة مياه لبنان الشمالي: فرانكوعربية؟!

هل ستبقى مياه لبنان لبنانية، بعد خصخصتها؟ وهل ستبقى السيادة عليها وعلى إدارتها لبنانية؟

نطرح هذا السؤال، ولا بد ستطرحه أنت عزيزي القارئ عندما ستقرأ ماذا قال السفير الفرنسي السابق. تفقد السفير الفرنسي السابق في لبنان فيليب لوكورتييه مصافي نبع هاب، في أواخر العام 2002، وذلك على ضوء الاتفاق الذي تم توقيعه بين وزير الطاقة والمياه وشركة أونديو الفرنسية لإدارة واستثمار مؤسسة مياه لبنان الشمالي، عبر قرض مع مجموعة وكالة التنمية الفرنسية. في هذه الزيارة صرح لوكورتييه: "جئنا إلى طرابلس لوضع النقاط على الحروف في معظم الأمور التي سنتعاون فيها مع محافظة الشمال، وذلك من أجل المستقبل. وقد بدأنا بأهم شيء ألا وهو المياه التي تشكل نقطة هامة جداً للتعاون بين لبنان وفرنسا. ونحن فخورون وسعيدون بتوقيع العقد مع الشركة الفرنسية أونديو... علينا أن نعمل على تأمين المعدات والأمور التقنية والموظفين، وأن نضع نظماً وأسساً معينة للعمل بالاتفاق بين وكالة التنمية الفرنسية ومجلس الإنماء والإعمار، وهناك مشكلة أنه أصبح لدينا هيكليتان: هيكلية على صعيد موظفي مصلحة المياه، وهيكلية جديدة على صعيد الشركة الملتزمة (أونديو)، لذا يجب أن يكون هناك اتفاق تعاون بين الهيكليتين قوامه التفاهم والتنسيق بناءً على العقد الموقع، خصوصاً وأن المشروع لن يبقى على مستوى طرابلس ولكنه سيتوسع وستكون له امتدادات كبيرة من الحدود السورية حتى البترون. ويجب الإفادة من هذا التنسيق وتعميمه على المنطقة كلها، والمصلحة الآن أصبحت فرانكوعربية وهي ستتوسع حتماً"[46].

 

لماذا طرح السفير الفرنسي هذا الكلام، واعتبر مؤسسة مياه لبنان الشمالي فرانكوعربية، ولم يقل أنها فرانكو لبنانية؟ فالسفير الفرنسي لا يلقي الكلام على عواهنه، بل هو حتماً يقصد أمراً ما من وراء كلامه. إن المجال الجغرافي لهذه المؤسسة يصل إلى الحدود السورية، وبالتالي تدخل في نطاقها مياه النهر الكبير الجنوبي (على الحدود اللبنانية السورية)، وهذه مياه مشتركة لبنانية سورية. ومن هنا ستصبح مؤسسة مياه لبنان الشمالي (بما فيها من مياه لبنانية وسورية) في ظل الإدارة الفرنسية (مع خصخصة الإدارة بامتياز لشركة أونديو) مؤسسة فرانكوعربية، كما يزعم السفير الفرنسي، لأنها ستكون إدارة (فرنسية) لمياه لبنانية سورية (عربية)، وفي هذه الحال قد يصح نعتها بمؤسسة فرانكوعربية. هذا إذا صرفنا النظر عن الوقاحة في توصيف مؤسسة لبنانية بأنها أصبحت فرنسية، جزئياً، لمجرد أن شركة فرنسية تقوم بإدارتها لقاء أجر باهظ، نقول: ربما لا يضيرنا كثيراً هذا الكلام، إذا اعتبرنا أن للشركات الفرنسية طموحات في لعب دور ما في سورية إن هي اتجهت نحو الخصخصة، أو أن هذه الشركات الفرنسية قد تحاول إيجاد صيغة لتقاسم مياه النهر الكبير بين سورية ولبنان بإشراف فرنسا. نقول ذلك لأن ما بين لبنان وسورية يتجه حكماً باتجاه المزيد من الاندماج، لما فيه مصلحة الشعب في البلدين، خاصة مع طرح إقامة سد مشترك لبناني سوري على النهر الكبير في منطقة نورا. ولكن؟

 

- إذا كانت مؤسسة مياه لبنان الشمالي فرانكوعربية(؟!)،

هل تكون مؤسسة مياه لبنان الجنوبي فرانكو لبنانية إسرائيلية؟!

صحيح أن خصخصة إدارة المياه في لبنان بدأت في الشمال، ولكنها تتجه لتعم كل المناطق اللبنانية. وصحيح أن الفرنسيين فازوا بعقود الخصخصة في الشمال، ولكنهم سيفوزون بالعقود في باقي المناطق اللبنانية. على الأقل هذا ما سبق وصرح به الوزير الأسبق للطاقة والمياه، بطل الخصخصة، محمد عبد الحميد بيضون: "... بالنسبة لبيروت وجبل لبنان... الاختيار وقع على "سوسيتيه جنرال"، فيما وقع الاختيار في الجنوب على "الوكالة الفرنسية للتنمية" التي تساعد في اختيار القطاع الخاص..."[47]. وبطبيعة الحال عندما يكون استشاريو الخصخصة فرنسيين، فالشركات الفائزة بعقود الخصخصة ستكون فرنسية هي أيضاً. هكذا تجري الأمور.

ولكن سؤالنا بالنسبة لوضع الجنوب هو التالي: في الشمال مياه مشتركة لبنانية سورية (النهر الكبير الجنوبي)، والإدارة فرنسية، فأصبحت مؤسسة مياه لبنان الشمالي فرانكوعربية؛ وفي الجنوب حوض مائي مشترك بين لبنان وفلسطين (جزء من حوض نهر الأردن)، عبر الحاصباني والوزاني، وهناك أطماع إسرائيلية في مياه لبنان، والإدارة فرنسية، فهل ستصبح مؤسسة مياه لبنان الجنوبي مؤسسة فرانكو لبنانية إسرائيلية؟ أي هل ندخل في التطبيع مع العدو الإسرائيلي من باب خصخصة المياه بإدارة فرنسية؟ سؤال طرحه جيل لابارات: "المستقبل سيكشف لنا ما إذا كانت إدارة المياه اللبنانية كسلعة ستساهم في حلحلة النزاعات الإقليمية حول "الذهب الأزرق"، أم بالعكس ستزيد من الأطماع في الشرق الأوسط لصالح الأقوى؟"[48].

 

- خصخصة؟ لا خصخصة؟ من يصدق؟ من يكذب؟

عندما تفقد السفير الفرنسي السابق في لبنان فيليب لوكورتييه مصافي نبع هاب، في أواخر العام 2002، قال من ضمن ما قاله: "العقد مع الشركة الفرنسية أونديو... لا يتضمن خصخصة المصلحة (مصلحة مياه لبنان الشمالي)، ولا يشكل نقطة بداية للخصخصة، وإنما يهدف لإدارة المصلحة بطريقة جديدة للتنمية"[49]. إنه يخشى من الضجة المثارة حول الخصخصة، فالفكرة بذاتها تثير الريبة عند المواطنين، فكان حريصاً: "إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا". هو ينفي الخصخصة، وينفي مجرد بداياتها، "لا يشكل (العقد) نقطة بداية للخصخصة". مع أن الجميع يصرح بأن ما حصل هو عملية خصخصة لإدارة المياه. فالوزير محمد عبد الحميد بيضون، راعي الاتفاق الذي يتحدث عنه السفير الفرنسي والذي تم لمصلحة أونديو بإشراف "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية"، يعتبر أن الاتفاق: "فتح عهد الخصخصة في لبنان"[50]. طبعاً الوزير بيضون صادق هنا، والسفير الفرنسي غير صادق: هذه فعلاً عملية خصخصة للإدارة. ولكنه غير صادق في مجال آخر، عندما يقول عن العقد مع شركة أونديو: إنه "بفضل مساعدة "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية"، يقدم حلاً جذرياً لمشكلة المياه في لبنان الشمالي"[51]. وعدم الصحة هنا أن "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" قدمت قرضاً، لا مساعدة أو هبة. وهذا القرض مشروط بأن تأتي خصخصة الإدارة لصالح شركة فرنسية، وببدل قيمته 45% من مبلغ القرض! فأين المساعدة في ذلك؟ ربما يعرفها الوزير الأسبق بيضون، وربما لذلك فصل من الكتلة السياسية التي جاءت به نائباً ومن ثم وزيراً! أما عن الحل الجذري، فالأيام، وتجربة أونديو في العالم، كفيلة بإثبات مدى الزعم الفارغ فيه.

 

ولكن المهم هنا هو أن ما يجري هو تمهيد فعلي للخصخصة. وهذا التمهيد بدأ بالقانون 221 الذي نص عل الخصخصة. ولكن هذه الخصخصة تبدأ وفق سياسة خطوة خطوة، لتصبح لاحقاً خصخصة شاملة. الوزير بيضون يتفاخر بها أو يلعبها "مكشوفة"، أما السفير الفرنسي فيريدها "مستورة". وبما أن هذا التمهيد مخالف لأصول الخصخصة كما نص عليها قانون الخصخصة الذي أقره مجلس الوزراء (19 أيار 1999)، خاصة لوجوب تنظيمها من خلال "المجلس الأعلى للخصخصة"، فإن مجلس الإنماء والإعمار ومؤسسات المياه (الرسمية) تبرم عقوداً إدارية "هجينة". فهي من نوع الخصخصة، وبوسعها الالتفاف على القوانين، بزعمها أنها عقود إدارة لا خصخصة.

 

- هل خصخصة المياه أمر حتمي، وحل لا بد منه؟

هل إن خصخصة المياه في لبنان أمر حتمي، ولا بد منه لمواجهة مسألة مياه الشرب والخدمة المنزلية والزراعة والصناعة ومعالجة المياه المبتذلة؟ سؤال لا بد من طرحه أمام المعطيات المتضاربة الصادرة عن أرفع أهل الاختصاص في وزارة الطاقة والمياه بالذات؟ ولقد بتنا لا ندري أي موقف نتخذه من المواقف المتناقضة، تناقضاً كلياً، والتي يتخذها هؤلاء، فهم تارة أخصام عنيدون للخصخصة، وطوراً مبشرون يستميتون في تبريرهاً. هكذا هم أهل الاختصاص في وزارة الطاقة والمياه، وكذلك أهل السياسة ومن كبار المسؤولين. فما الموقف الصحيح بين هذه المواقف المتناقضة والمسؤولة؟ وهي مسؤولة لكونها صادرة عن المسؤول، لا لكونها مسؤولة عما تطرحه؟ ولماذا هذا التناقض أصلاً؟

 

في أواسط آب من العام 1999 "أرجأ مجلس الوزراء البت بمشروع قانون تنظيم قطاع المياه في لبنان"[52]. لماذا؟! ففي أواسط تموز من نفس العام 1999، أي في العام الذي أقر فيه مجلس الوزراء قانون الخصخصة (19 أيار 1999)، وقبل أقل من عام بقليل على صدور القانون رقم 221 (29 أيار 2000)، قانون تنظيم قطاع المياه في لبنان، أي في فترة العمل على إعداد هذا القانون، كان كل الجهد ينصب في الجدال على الموقف من عبارة واحدة جاءت في البند 3 من المادة الثانية من القانون 221 المذكور والتي نصها: "3- وضع مشروع التصميم العام لتخصيص وتوزيع الموارد المائية...". عبارة التخصيص (الخصخصة) استلزمت سنة لإقرارها، ورافق ذلك الكثير من اللغط و"الأخذ والرد". لماذا؟

 

 

- فادي قمير: قطاع المياه إستراتيجي لا يجوز خصخصته

لمعرفة أسباب ما حصل في أواسط آب 1999، علينا العودة إلى أواخر تموز من العام 1999 نفسه. ففي هذه العودة مؤشر يساعدنا على الفهم، عندما أعلنت المديرية العامة للتجهيز المائي والكهربائي، بلسان المدير العام للوزارة المهندس فادي قمير، أنها ستحيل على مجلس الوزراء خطة عشرية: "خطة 2000-2009". يومها أعلن المدير العام لوزارة الموارد المائية والكهربائية المهندس فادي قمير بالفم الملآن رفضه للخصخصة: "قطاع المياه إستراتيجي لا يجوز خصخصته"[53]، ووضع خطة عشرية لا تعتمد القروض للوزارة، بل تعتمد على موازنة الدولة فقط.

 

قبل أن يصبح المهندس فادي قمير نصيراً للخصخصة وسياسة القروض لوزارة الطاقة والمياه، كان خصماً عنيداً للخصخصة ولسياسة الاقتراض، "سبحان من يغير ولا يتغير". لم يشرح لنا المهندس المسؤول عن التجهيز المائي والكهربائي، فادي قمير، كيف تحولت قناعاته، وتحول إلى مبشر بالخصخصة بعد أن كان معارضاً لها. شأنه كشأن أي مسؤول لا يحتاج إلى تبرير ما يقول أو ما يفعل. فهل من يحاسبه على قول أو فعل الشيء ونقيضه؟ نحن هنا سنعرض للخطة العشرية "خطة 2000-2009" التي أعدها المهندس قمير بالذات، ودافع عنها في وسائل الإعلام، كما يدافع اليوم عن نقيضها، الخصخصة.

 

ماذا في "خطة 2000-2009"؟ الخطة عشرية لأنها تحتاج إلى عشر سنوات لبناء السدود، لأن "عصر استعمال مياه الينابيع... قد انقضى بعدما أصبحت هذه المياه لا تكفي لسد الحاجات المتزايدة"[54]. وهذه الخطة تتناسب مع توجه الدولة من حيث إنشاء المؤسسات الاستثمارية ودمج المصالح... والتركيز على توزيع العمل بين الوزارة والمصالح، فأولى الوزارة الأعمال والمهمات التي يفترض أن تكون في عهدة الدولة، وأولى المصالح الخدمات الأخرى... وتركنا لمجلس الإنماء والإعمار الناحية التنفيذية وإمكانية متابعة المشروعات كافة التي سبق له أن باشر بها..."[55].

 

أما بنود "خطة 2000-2009"، فهي ستة: "البند الأول: تكوين موارد مائية إضافية (سدود وبحيرات جبلية): 1180 مليار ليرة لبنانية؛ البند الثاني: مشاريع مياه للشفة: 200 مليار ليرة لبنانية؛ البند الثالث: توسيع البقعة الزراعية من خلال مشاريع مياه الري: 125 مليار ليرة لبنانية؛ البند الرابع: محطات المياه المبتذلة والأقنية الرئيسية لتصريفها: 320 مليار ليرة لبنانية؛ البند الخامس: مشاريع تقويم وصيانة مجاري الأنهر: 65 مليار ليرة لبنانية؛ البند السادس: مشاريع تتعلق بالتجهيز الكهربائي: 35 مليار ليرة لبنانية؛ بالإضافة إلى مشاريع غير ملحوظة رُصد لها مبلغ 75 مليار ليرة لبنانية"[56].

 

وبخصوص تمويل "خطة 2000-2009" يقول فادي قمير، رداً على سؤال عن تمويل الخطة: "قضية المياه في لبنان باتت إستراتيجية، وبتنا نتمنى أن تستعمل القروض والهبات في القطاعات الأخرى كافة، بحيث يصبح بالإمكان أخذ الاعتمادات اللازمة للمشروعات اللبنانية من موازنة الدولة، كي تكون هذه الاعتمادات غير مشروطة... ويضيف (رداً على السؤال: لماذا لم يتم اللجوء إلى القروض لتمويل الخطة؟): القرار المائي اللبناني لا يجب أن يكون مرهوناً بأيد خارجية تستطيع فرض شروطها على لبنان... نستطيع تفادي سياسة القروض، لأن المديرية العامة للتجهيز المائي والكهربائي موازنتها حوالي 112 مليار ليرة لبنانية (60 مليون دولار)... فنحن بالـ 60 مليون دولار التي هي موازنتنا السنوية، قادرون على بناء حوالي 37 سداً وبحيرة خلال 10 سنين"[57].

 

ويرى قمير أن وزارة الطاقة والمياه لن ترفض كل القروض متى كانت شروطها مناسبة. فهو يقول: "ولكن ذلك لا يعني أن الوزارة سترفض كل تمويل يمكن أن يأتي من الخارج. فلا مانع لديها من القبول بتمويل يقدم بشروط جيدة ومناسبة. أما إذا فرض التمويل شروطاً غير مناسبة أو سياسية فسترفضه المديرية لأنها برمجت موازنتها السنوية بشكل أن تكون قادرة على تمويل مشاريعها الملحوظة"[58]. نسأل المهندس قمير: هل شروط القرض الذي قدمته "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" لمؤسسة مياه لبنان الشمالي شروط مناسبة، ومنها أن تلتزم شركة أونديو إدارة المؤسسة لأربع سنوات بنسبة 45% من القرض، أي 9 ملايين يورو تعود لشركة أونديو بدل إدارة، من أصل قرض هو 20 مليون يورو؟ هل يجيبنا المدير العام؟

 

عن العلاقة بين "خطة 2000-2009" والخصخصة، يقول المهندس قمير: "باستطاعتنا أن نستمر بدون خصخصة. وبصراحة أنا ضد خصخصة كل ما يتعلق بالمياه في لبنان. فهذا الموضوع إستراتيجي، ويجب معالجته بالإصلاح الذي تتحدث عنه الدولة. هل المياه في الدول الغربية المتقدمة خاضعة للقطاع الخاص؟ بل تخضع للقطاع العام، كما في فرنسا..."[59]. كما رفض المهندس قمير الربط بين مشروع دمج مصالح المياه (القانون رقم 221) والخصخصة بقوله: "أما عن ربط البعض موضوع جعل المصالح مؤسسات عامة استثمارية بالتوجه نحو خصخصة بعض القطاعات الاستثمارية فأوضح "إن ما نقوم به هو عبارة عن تنظيم ضمن القانون الموجود أصلاً وهو القانون[60] رقم 4715. والخصخصة موضوع آخر... وأكد على وجود التلازم بين مشروع قانون تنظيم قطاع المياه والخطة العشرية المطروحين أمام الحكومة، باعتبار أن المديرية العامة للتجهيز هي التي ستنفذ الخطة وهي التي ستدير المشاريع التي تتبع لها مصالح المياه"[61].

 

-       لماذا هناك أزمة مياه في لبنان؟

تعود أزمة المياه في لبنان إلى سوء الإدارة والهدر الكبير في المشاريع المائية. هكذا يرى الكثيرون من المواطنين العاديين، وهكذا يردد الكثيرون من السياسيين والمسؤولين في أجهزة الدولة. وهكذا أيضاً يقول المهندس فادي قمير، وهو في موقع المسؤولية المباشرة عن المياه: "ركزت الحكومات السابقة على بناء الشبكات وتأهيلها، غير أن 80% من الشبكات لا تجري فيها المياه. وهذه المشروعات آنية ولا تندرج في إطار مخطط توجيهي عام للمياه"[62]. لا يعني ذلك مجرد قصور في التخطيط، بل يعني أيضاً أن المشاريع المائية كانت بمثابة "تنفيعات" مالية أو سياسية. ويضيف المهندس قمير، في حوار صحيفة "الكفاح العربي" معه: "العام 95-96 أقر قانون برنامج لحظ 356 ملياراً لوزارة الموارد، وورد إلى مجلس الإنماء والإعمار قروض مهمة جداً في موضوع المياه. وأنا هنا أسأل، هل خلال السنين الثماني المنصرمة جرى بناء سد واحد؟ صرفت الخطة السابقة 226 ملياراً على مياه الشفة، و60 ملياراً على مياه الري، و70 ملياراً على المياه المبتذلة، ما عدا مئات الملايين من الدولارات صرفها مجلس الإنماء والإعمار، ولم نرَ سداً واحداً... هل حدث هدر في هذه الأموال؟ طبعاً، الهدر كان سمة عامة في الحكومات السابقة"[63].

 

-       لماذا اللجوء إلى خصخصة المياه؟ ونتائجها؟

في العام 1999 كان المهندس قمير مناهضاً لخصخصة المياه ولسياسة القروض، ويروج الحجج دفاعاً عن خطته العشرية "خطة 2000-2009"، ويعقد الآمال على الرئيس لحود، بقوله: "إنها فرصة كبيرة للبنان بأن يحدث نقلة نوعية في مجال المياه... وكلنا أمل في عهد فخامة الرئيس آميل لحود أن تنظم كل الإدارات، فالتخطيط الذي نقوم به هو تخطيط واع..."[64]. ولكن "مغير الأحوال" غيّره وصار نصيراً لخصخصة المياه، ويعرض تجاربها الناجحة على صفحات الجرائد وفي المؤتمرات: في ورشة العمل حول السياسة المائية في لبنان، التي نظمها برنامج دعم السياسة المائية في لبنان، الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بالتنسيق مع وزارة الطاقة والمياه، بتاريخ 27-3-2003، عرض المدير العام للموارد المائية الدكتور فادي قمير تجارب ست دول في خصخصة المياه، وخلص إلى أن الخصخصة كفيلة بتذليل العقبات التي يواجهها قطاع المياه[65]. اندرج خصم الخصخصة، المهندس قمير، في جوقة المروجين لها، لحجب الهدف الحقيقي لخصخصة المياه. فليس المقصود الوصول إلى أداء أفضل لعمل مؤسسات المياه في لبنان. وليس المقصود توفير المياه لكل مواطن وتلبية حاجاته.

 

بل المقصود أمر آخر، كان لدولة الرئيس السنيورة شرف التصريح به مراراً، منذ أن كان وزيراً للمالية، فلنقرأ ما جاء في جلسة من جلسات مجلس النواب، بتاريخ 4-2-2002: "الوزير السنيورة، تحدث بإسهاب عن الخصخصة، إن هذا الأمر يشكل ركيزة أساسية من ركائز الإصلاح الاقتصادي والإداري والمالي، وخصخصة قطاعات المياه والاتصالات والمرافئ والنقل المشترك ستستعمل إيراداتها لخفض الدين العام مما يساهم في خفض كلفة خدمته..."[66].

كما كان لحكومات دولة الرئيس الحريري الشرف الأكبر في إعلانه فتحت عنوان "لبنان، دعم إستراتيجية الإصلاح الاقتصادي في ملخص السياسات الاقتصادية"، بتاريخ 27 شباط 2001، نقرأ: "إن لبنان يواجه اليوم مجموعة من التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التزمت حكومتنا (الحريري)  مهمة رفعها. على المستوى الاقتصادي، التحدي الرئيسي يتعلّق بالموازنة، إذ بلغت نسبة الدين العام 140% من الناتج المحلي، ومن المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة سنة 2001 نسبة 51% بينما ستصل نسبة خدمة الدين إلى 43% من مجموع النفقات. ونظراً إلى حجم اختلال التوازن المذكور أعلاه، وجدت الحكومة انه من الضروري معالجة وضع الموازنة وعكس القوى المحرّكة للدين. في الواقع، إن احتياجات التمويل الحالية، المرتبطة بالعجز المتكرر وبازدياد الدين، قد رفعت كلفة الاقتراض، ليس للقطاع العام فحسب ولكن للقطاع الخاص أيضاً، مما ساهم إلى حد كبير بتباطؤ الاقتصاد. لحل هذه المعضلة، تسعى الحكومة إلى إطلاق برنامج خصخصة يشمل قطاعات المياه والكهرباء والاتصالات بحيث تستعمل أرباح هذه العمليات بالكامل لتقليص الدين الداخلي. قانون خصخصة المياه: أقر البرلمان قانون تنظيم قطاع المياه استعداداً لخصخصته. ومن المتوقع أن يتم تخصيص شركتا مياه بيروت وطرابلس بشكل كامل بحلول نهاية سنة 2002"[67].

على الأقل يملك الرئيس السنيورة (على خطى كل حكومات الحريري) الجرأة الأدبية على التصريح بما يريد. وهنا بيت القصيد: السعي لمواجهة الدين العام وتخفيض كلفته. فكل عملية تنظيم قطاع المياه في لبنان، وخصخصته، يجب أن تخدم في خفض الدين العام وخفض كلفته. هذه هي حكمة الدولة اللبنانية! ولكن هل الخصخصة على الطريقة المتبعة، عبر القروض، أي عبر زيادة الدين العام، وبشروط منها ذهاب 45% من القروض إلى الشركة الأجنبية الملتزمة لإدارة المياه (كما هي الحال مع شركة أونديو ومؤسسة مياه لبنان الشمالي) ستساهم في خفض الدين العام أم في زيادته؟ لا شك أنها ستزيد الدين العام وسترفع من كلفة خدمته. ولكنها سترفع من أرباح الشركات الأجنبية وسماسرتها اللبنانيين من أصحاب الملايين ومن أهل السلطة والطبقة الحاكمة.

هذا هو الهم الأساسي المعلن: اعتماد الخصخصة لجمع المال اللازم لسد الدين العام. وجمع هذا المال من جيوب المواطنين بالطبع. أما من أين أتى هذا الدين العام؟ أو كيف تراكم؟ ومن المسؤول عنه؟ أو ما السياسات المسؤولة عنه؟ فهي أسئلة غير مطروحة. وبما أن المجال ليس واسعاً للإجابة هنا على هذه الأسئلة، فإننا نكتفي بما قاله السفير السويسري توماس ليتشر، في العام 2000 (طالما أننا مغرمون بالغرب وتجاربه فلا بأس من معرفة تفسير بعض الغرب لمشكلة الدين العام في لبنان): "دين لبنان هائل، ويقارب 200% الناتج المحلي الخام. وخدمة الدين تبتلع نصف موازنة الدولة. ويعود هذا الوضع في جزء منه إلى إعادة إعمار البلاد المشهورة بأنها واحدة من الأكثر فساداً في العالم"[68]. أليست تجربة خصخصة المياه، على طريقة أونديو ومؤسسة مياه لبنان الشمالي، هي على نفس النهج السابق في الهدر والفساد، إن لم تكن أسوأ؟

 

تؤدي خصخصة المياه إلى زيادة الدين العام. ويرافقها كل ذلك الضجيج حول تعرفة المياه في لبنان، وضرورة السعي لزيادة هذه التعرفة. وتعقد المؤتمرات برعاية أممية لهذا الغرض. ففي 17 كانون الثاني 2003، افتتحت في بيروت ورشة عمل من أجل "مراجعة قوانين المياه وتحليل تعرفة المياه في لبنان". تطرقت كلمة ميرفت التلاوي إلى موضوع تعرفة المياه: "إيلاء الأولوية للعمل على تصميم تعرفة مناسبة ترتكز على احتساب التكلفة الحقيقية للمياه، والتي يمكن تطبيقها على عدد كبير من القطاعات المستهلكة للمياه"، وبالطبع هذا ما أثنى عليه وأكده حسان هاشم المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه[69]. يريدون زيادة التعرفة لتغطية الديون التي راكمتها مشاريع الهدر والفساد وسياسات القروض وأخيراً الخصخصة. هذا على الرغم من الكثير من التحذيرات التي تنبه إلى انعكاس خصخصة المياه ارتفاعاً في كلفتها على المواطنين. فالوزير السابق، د. جورج قرم "حذر من خصخصة المياه لأن أسعارها ستهب على المواطن"[70].

 

نعم تعدنا الخصخصة بزيادة سعر المياه، وهذا ما بشرنا به الوزير الأسبق للطاقة والمياه، محمد عبد الحميد بيضون، وهو يعمل على طمأنتنا من الخصخصة، بقوله: "نحن ندفع ثمناً باهظاً للمياه سنوياً، إذ تصل كلفة العائلة الواحدة إلى حدود 100 دولار في مقابل 100 متر مكعب، بسبب الانقطاع المتكرر، مما يعني أن متر المياه يكلف العائلة بالحد الأدنى دولاراً. وفي المناطق البعيدة... تصبح تكلفة المتر المكعب الواحد أكثر من 3 دولارات... بينما يمكننا أن نجعل المتر المكعب من المياه بحدود 1000 ليرة"[71]. يعني ذلك أن سعر المتر المكعب من المياه سيكلف العائلة سنوياً أكثر من 400 ألف ليرة لبنانية. هذا دون الكلام عن المحاسبة والتعرفة على قاعدة العدادات التي ربما التحقت بشروط التعرفة الكهربائية على أساس شطور الاستهلاك، بحيث كلما ارتفع الاستهلاك ارتفعت التعرفة، وخاصة ما جاء في المادة 31 من المرسوم رقم 14603 (14-6-2005).

 

-       لماذا كل شيء في خصخصة مياه لبنان على الطريقة الفرنسية، ما عدا الإدارة؟

اعتمدت الدولة اللبنانية شركات فرنسية كاستشاريين لخصخصة المياه في لبنان، مثل "سوسيتيه جنرال" و"مجموعة وكالة التنمية الفرنسية". نصح الاستشاريون الفرنسيون الدولة اللبنانية بخصخصة إدارة المياه، وقاموا بتنظيم استدراج العروض، فرست الخصخصة على واحدة الشركات الفرنسية، أونديو. ونظموا عملية القروض الممهدة للخصخصة مع مؤسسات التمويل الفرنسية المتعاونة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يتغنيان بما يسمى "المدرسة الفرنسية في المياه" Ecole française de l’eau وينظران لها عالمياً، وهي الطريقة التي يتفاخر بها القادة الفرنسيون في المحافل الدولية. وطالما أن كل هذه العملية "فرنسية بفرنسية"، كما هي الحال، لماذا لم يخطر على بال الدولة اللبنانية واستشاريي الخصخصة الفرنسيين والمقرضين الفرنسيين والدوليين الاستفادة من الطريقة الفرنسية في تنظيم قطاع المياه في لبنان؟

 

صحيح أن المدرسة الفرنسية في المياه تقوم على الترويج للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. ولكن جوهر الطريقة الفرنسية في تنظيم قطاع المياه، كما هو معتمد في فرنسا، وكما تنص عليه القوانين الفرنسية، منذ الثورة الفرنسية (1789) وصدور "قانون نابوليون" حتى اليوم، مروراً بالقانون الفرنسي رقم64-1245، تاريخ 16 كانون الأول 1964، وتعديلاته المتتالية، بالقانون الفرنسي رقم 92-3 تاريخ 3 كانون الثاني 1992، والمعروف باسم "قانون المياه" Loi sur l’eau، وما لحقه من تعديلات متتابعة، يقوم على اللامركزية في إدارة المياه، وعلى إشراك المجتمعات المحلية ومستهلكي المياه في شتى مستويات إدارة المياه، تنظيماً واستثماراً وتوزيعاً وتسعيراً. وتحتل البلديات في هذا التنظيم المركز المحوري والأساسي. هذا ما يجده القارئ في مقالات عديدة لنشرة "الوثائق الفرنسية" Documentation Française، منها واحد بعنوان: "سيرة إدارة المياه: إدارة محلية لم يواجهها اعتراض منذ قرنين"، وفيه: "إن أنتاج وتوزيع المياه العذبة من مسؤولية البلديات"[72].

 

لقد قضى "قانون المياه" بأن "على كل بلدية يزيد سكانها على ألفي نسمة أن تكون مجهزة بنظام لتجميع المياه العذبة وتنقية المياه المبتذلة"[73]. ولا تتدخل أجهزة الدول المركزية بغير ما يعرف باسم "شرطة المياه". وتنظيم المياه في فرنسا لم يعرف الخصخصة مطلقاً[74].

 

.......................................................

 

back to Top

 

الإدارة المحلية للمياه والإدارة المركزية؟

 

1- لماذا لا تلتزم الدولة اللبنانية بما نص عليه اتفاق الطائف حول اللامركزية الإدارية، ولا تعتمد جوهر "المدرسة الفرنسية في المياه"، أي اللامركزية في تنظيم وإدارة قطاع المياه؟ ولماذا تسعى إلى تصفية اللجان المحلية التي تدير المياه (كما هي الحال اليوم مع لجنة مياه القبيات ولجنة مياه عندقت وغيرها) إدارة ناجحة أثبتت كفاءتها ونجاحها، حيث فشلت الإدارة الرسمية والمركزية؟ بالطبع، لتبقي قطاع المياه خارج السيطرة الشعبية، فيتحكم أبناء الطبقة الحاكمة في مصير هذه الثروة العامة، هدراً وفساداً واستغلالاً، خارج كل رقابة من جانب المواطنين. وعلى كل حال، نحن نطرح هذا السؤال ليقيننا أن الإدارة المحلية للمياه تتمتع بمزايا متعددة تنعكس في تخفيض كلفة المياه على المنتج والمستهلك (على المجتمع بكامله)، وفي تأمين خدمات مائية أكثر نجاعة من مؤسسات المياه المركزية، في ظل شفافية وقدرة شعبية على المساءلة والمحاسبة.

 

وإذا شئنا الكلام عن كلفة إدارة المياه إنتاجاً وتوزيعاً، لقلنا، على عجالة أن الإدارة المحلية (لجان أهلية محلية أو بلديات) تخفض كثيراً من كلفة الإدارة. فمن المعروف أن كل مكتب لمتابعة شؤون المياه يحتاج إلى قدر من الموظفين الذين يمكن الاستغناء عنهم في شتى أشكال الإدارة المحلية. تعتمد مؤسسات المياه مكاتب فرعية لها بالضرورة، وكل مكتب يلزمه مقر ورئيس أو مدير ومحاسب أو جابٍ على الأقل، ومستكتب ومستهتف، وعامل تنظيف أو أكثر، وسائق و... هذا بينما يكون لكل بلدية مقرها وفيها فريق كامل من الموظفين المذكورين أعلاه. كما أن الحال تكون مشابهة لحد كبير في عمل لجان المياه الأهلية، حيث تقوم الوظائف الإدارية على العمل التطوعي المجاني.

 

وإذا أردنا أن نأخذ فكرة عامة عن حجم النفقات الإدارية ونسبتها إلى الموازنة العامة في مصالح المياه لنراجع الجدول الآتي:

 

 

جدول[75] بأوضاع الاستثمار في بعض مصالح ولجان المياه عام 1979-1980

 

اسم المصلحة أو اللجنة

نسبة الأجور والرواتب والنفقات الإدارية لمجموع الموازنة

اسم المصلحة أو اللجنة

نسبة الأجور والرواتب والنفقات الإدارية لمجموع الموازنة

لجنة البترون

40%

مصلحة كسروان

29%

مصلحة صور وملحقاتها

61%

مصلحة بيروت

46%

مصلحة نبع الطاسة

61.4%

مصلحة الباروك

46%

مصلحة صيدا

38.9%

مصلحة طرابلس

43%

مصلحة جبل عامل

70.5%

مصلحة بعلبك الهرمل

78%

مصلحة عين الدلبة

36%

مصلحة زغرتا

60%

لجنة جبيل

51%

مصلحة المتن

63%

 

 

ولنأخذ على سبيل الأمثلة المتوفرة لدينا بحدود معرفتنا المتواضعة، ونحن في بداية استطلاعنا لأحوال عمل اللجان الأهلية والبلديات في مجال المياه. هناك في عكار اللجان الأهلية الآتية: لجنة عندقت، لجنة القبيات، لجنة بزبينا، لجنة رحبة، لجنة سيسوق، وبلدية فنيدق. جميع هذه اللجان تقوم بأعمال توزيع المياه والصيانة والجباية، وسعر متر المياه فيها يتراوح بين 50 ألف ليرة لبنانية و80 ألف ليرة لبنانية. وفي بعض هذه اللجان وفر مالي كبير نسبياً. وفي بلدة القبيات لجنة أهلية مسؤولة عن توزيع المياه وصيانتها وجباية الاشتراكات من حوالي 1500 مشترك من سكان القبيات فقط. وفي نفس بلدة القبيات مصلحة للمياه تابعة إلى مؤسسة مياه لبنان الشمالي هي "مصلحة مياه منطقة القبيات"، وهي مسؤولة عن توزيع المياه لأكثر من سبعين قرية في منطقة الدريب. فبينما تقوم لجنة القبيات الأهلية بعملها على أنجح ما يكون، مع تحقيق وفر مالي بعشرات الملايين، نرى مصلحة مياه القبيات لا توفر المياه للمشتركين إلا لبضعة ساعات أسبوعياً، وهي في عجز مالي بالمليارات، كدين لكهرباء لبنان، ورواتب غير مدفوعة للموظفين. مع ذلك نلاحظ هجوم الإدارة الرسمية للمياه على اللجان الأهلية بغية حلها. فلماذا لا يتم اعتماد الإدارة المحلية؟ ولماذا يتم استبعاد الجماعات المحلية (اللجان الأهلية والبلديات) عن تنظيم قطاع المياه؟

 

ففي فرنسا، وهي مرجعية الدولة اللبنانية في خصخصة المياه، "البلديات هي المسؤولة عن إنتاج وتوزيع المياه العذبة، منذ الثورة الفرنسية... ومسؤولية البلديات في إدارة المياه توسعت تدريجياً خاصة منذ "قانون المياه" (1992)"[76]. ولا يقتصر حضور البلديات على النطاق البلدي، بل هي ممثلة في كافة المستويات المركزية للأحواض المائية وتفرعاتها وفي وكالات المياه إلى جانب ممثلين منتخبين من قبل مستهلكي المياه. ولا تعتمد جميع البلديات في إدارة المياه على الشراكة مع القطاع الخاص. فهناك حوالي 7 آلاف بلدية تدير المياه إدارة حصرية (إنتاجاً وتوزيعاً) دون أي دور للقطاع الخاص، ومنها بلديات لمدن معروفة مثل ستراسبوغ ونانسي وريمس وأميان ونانت وتور. وهذه الإدارة الحصرية تغطي حوالي ربع المياه المنتجة والموزعة في فرنسا. بينما تعتمد البلديات الأخرى أشكالاً متنوعة من الشراكة مع القطاع الخاص، ولكنها كلها تعمل بإشراف البلديات الفرنسية وتخضع لها.

 

2- في العلاقة بين الإدارة والمحلية والحقوق المكتسبة وكلفة المياه على المواطن. بما أن لجميع البلدات التي تتفجر فيها الينابيع أو تمر فيها المجاري المائية الطبيعية حقوق مكتسبة على المياه، فمن حق هؤلاء أن يحصلوا على المياه، استناداً لحقوقهم المكتسبة، بدون دفع بدل اشتراك بمياه الشرب والري. وهذه المياه توزع عليهم مجاناً. ولكن الإدارة المحلية (اللجان الأهلية أو البلديات) تتوافق في العادة مع الأهالي على استيفاء رسم سنوي (حوالي الخمسين ألف ليرة لبنانية) من كل مشترك بدل صيانة الشبكة المائية والخزانات وسوى ذلك. وهذا الرسم قد يرتفع أو ينخفض تبعاً لضرورات الصيانة السنوية.

 

بالطبع تجري الأمور على هذه الشاكلة لأن الأهالي ارتضوا، في أساس تحويل مياه الينابيع من مياه للري (الحقوق المكتسبة) إلى مياه للشرب، التنازل عن قسم من حقوقهم المكتسبة على مياه الري، وتحويله إلى مياه الشرب. وهذه المياه نفسها والتي هي حقوق مكتسبة تبقى حقوقاً مكتسبة بصرف النظر عن كيفية استعمال أصحاب الحقوق لحقوقهم، وبالتالي من حقهم الحصول عليها مجاناً، لأنها هي لهم من الأصل. ولهذا تأتي كلفة المياه على المواطن في هذه الحالات أقل من الكلفة في أمكنة أخرى. إن اختلاف كلفة المياه (بدل الاشتراك، أو سعر المتر المكعب من المياه) على المواطن من مكان إلى آخر ليس أمراً شاذاً، بل هو حالة طبيعية تسود في الكثير من البلدان المتقدمة صناعياً وخاصة في مجال المياه. وهذه هي الحال مثلاً في فرنسا، الدولة المرجع بالنسبة للبنان في إدارة المياه، حيث كل بلدية تضع السعر الذي تراه مناسباً لها. ولذلك نجد في فرنسا حوالي 15200 تسعيرة للمياه[77].

 

إن الإدارة المحلية للمياه، من قبل البلديات أو اللجان الأهلية، تؤمن توازناً مالياً على الرغم من تدني الرسم الذي تجبيه الإدارة المحلية (حوالي خمسين ألف ليرة لبنانية سنوياً) لقاء الخدمات المائية. ويتأتى ذلك لكون المصاريف تحسب في حدها الأدنى، وضمن الحاجات الفعلية، وفي ظل شفافية مرتفعة، وقدرة شعبية على المحاسبة على ضوء تلك الشفافية. ومن هنا لا تشهد الإدارة المحلية للمياه توظيفاً كتلبية لرغبة أصحاب النفوذ ولا تحتاج إلى بنية إدارية مثقلة بالمدراء ورؤساء الأقسام وسائقين وحجاب ونواطير... فكل البنية الإدارية تكون متطوعة في حال اللجان الأهلية أو هي موجودة في البنية الإدارية للبلديات.

 

3- إن من طبيعة الخدمات المائية (للشرب والخدمة المنزلية، أو للري، أو للصناعة، أو للصرف الصحي) أنها محلية الطابع في جوهرها. فالمقصود، في كل الحالات، أن نسحب المياه الصالحة إلى أقرب مكان تظهر الحاجة فيه للمياه، وأن نسحب المياه المبتذلة، ومن ثم المكررة، إلى أقرب مكان ممكن ومفيد. وكلما كان مصدر المياه الصالحة بعيداً عن المستهلك، أو كلما كان مقصد المياه المبتذلة بعيداً، كانت نسبة الكلفة أكبر، لأن طريقة النقل وبعد المسافة يشكلان العنصر الأساسي في كلفة المياه. وبما أن المستهلكين يقيمون عادة في تجمعات سكنية (المدن والبلدات والقرى) فمن الأفضل أن يتم اختصار المسافة بين مصادر المياه الصالحة، أو بين نهاية المياه المبتذلة، والمستهلكين. وغالباً ما تكون التجمعات السكنية خاصة الريفية على مقربة مباشرة من مصادر المياه.

 

ومن هنا ينشأ الطابع المحلي لإدارة المياه. ولهذا أناط المشرع الفرنسي تاريخياً بالبلديات أمر الاهتمام الإلزامي بإدارة المياه الصالحة والمبتذلة. ولهذا السبب بالذات ينشأ التفاوت في "سعر" المياه على المواطن الفرنسي. فسعر المياه ليس ضريبة ليكون موحداً. وهو ليس سلعة، كالخبز والورق مثلاً، بل هو تغطية لكلفة توفير هبة من الطبيعة لا يستغني عنها الإنسان في حياته كالهواء.

 

وفي فرنسا، وهي المرجعية للبنان في مجال المياه، تدير البلديات الشؤون المائية كافة، إما إدارة مباشرة عامة حيث تقوم البلدية بإنتاج ونقل وتوزيع المياه الصالحة ونقل وتكرير المياه المبتذلة؛ وإما تقوم البلدية بتفويض القطاع الخاص القيام بجزء من مهامها المائية أو كلها، وتحت إشرافها ومسؤوليتها. ولقد أثبتت التجربة الفرنسية، استناداً إلى تحقيقات رسمية فرنسية، أن كلفة المياه على المواطن الفرنسي (سعر المياه) عندما تقوم البلدية بتفويض القطاع الخاص بالمهام المائية تكون أعلى بنسبة 44% عما تكون عليه عندما تقوم البلدية بإدارة أمور المياه مباشرة بنفسها[78]. هذه التجربة الفرنسية، أو "المدرسة الفرنسية في المياه" القائمة على مبدأ اللامركزية الإدارية، هي التي تفيدنا فعلياً، لا مشاريع الخصخصة التي تقوم على مبدأ سحب الأرباح بأبشع الطرق القانونية وشبه القانونية وغير القانونية أحياناً.

 

 

- ما هي سمعة شركة أونديو في العالم؟

أونديو، المعروفة في فرنسا باسم ليونيز ديزو، هي واحدة من أهم الشركات الفرنسية العملاقة التي تعمل في مجال المياه: إدارة أو استثماراً... وهي فرع من الشركة الفرنسية المتعددة الجنسيات والاهتمامات والمعروفة باسم مجموعة سويز Suez. وهذه الشركة "مرتبطة تاريخياً بحزب RPR (التجمع من أجل الجمهورية Rassemblement Pour la Republique) عبر مديرها العام السابق جيروم مونو Jérome MONOD الذي كان الأمين العام للحزب. واشتهرت الشركة بكونها في قلب الفضائح الفرنسية الكبرى: فضيحة كارينيون Crignon، وبوتون Boutton، ومييار ودوكلو Maillard et Duclos، وليسيه إيل دو فرانس Lycées d’iles de France"[79].

 

وكان جيروم مونو المستشار الخاص لجاك شيراك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما كان المستشار الخاص للرئيس السابق للبنك الدولي جايمس ولفونسون. ومن هنا، أي بفضل مونو والرئيس شيراك والبنك الدولي، تم الترويج للنموذج الفرنسي في إدارة المياه Ecole française de l’eau[80]، أو نموذج الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، ومنه مشاريع الخصخصة على الطريقة الفرنسية في المؤسسات الدولية، حيث تقع الخسارة على القطاع العام، بينما يفوز القطاع الخاص بالأرباح.

 

وفي فرنسا بالذات لهذه الشركة سمعة سيئة: "منذ أكثر من 10 سنوات استنكرت، لمرات كثيرة، مقالات الصحف والأحكام القضائية والتقارير الرسمية، ممارسات الفساد ورفع التعرفة وغياب الشفافية والمنافسة في سوق المياه في فرنسا، وغيرها مما تقوم به شركات المياه الفرنسية العملاقة ومنها شركة ليونيز ديزو (أونديو)"[81]. كما أن أسعار المياه حيث تتدخل هذه الشركات في فرنسا هي أعلى من غيرها: "إن المياه التي يديرها القطاع العام في فرنسا هي أرخص سعراً بنسبة 16% من المياه التي يديرها القطاع الخاص"[82].

 

أما خارج فرنسا فالحديث عن ارتكابات شركة أونديو طويل. ففي الأرجنتين يعلن عمدة بيونس أيرس، في العام 1999، "إن أسعار المياه التي قالت شركة أغواس أرجنتيناس، فرع أونديو في الأرجنتين، أنها ستنخفض 27%، ارتفعت 20%"[83]. وفي مانيلا، عاصمة الفيليبين، "كانت خصخصة المياه فضيحة... فبعد سبع سنوات على الخصخصة (بالشراكة مع ليونيز ديزو) ارتفع سعر المياه أربع مرات"[84]. ولم تكن الحال أفضل في بوليفيا وغيرها... وهذا ما دفع بالعديد من المؤسسات الناشطة في مواجهة الخصخصة وتحويل المياه إلى سلعة إلى توجيه نداء عالمي بعنوان "أوقفوا سويز (الشركة الأم لأونديو) عن العمل، فالمياه للحياة وليست لجني الأرباح". ونشر هذا النداء على موقع خاص على الإنترنت باسم معبر جداً هو "أوقفوا سويز" "ArretonsSuez.org"[85].

.....................................................

 

back to Top

 

 

خلاصة: التأكيد على النداء

 

لنعمل معاً من أجل المحافظة على المياه ملكية عامة

لنعمل معاً من أجل المحافظة على "الحقوق المكتسبة" على المياه (حق الانتفاع)

لنعمل معاً من أجل إدارة المياه إدارة محلية (لا مركزية: بلديات أو لجان أهلية) أسوة بالدول المتقدمة في مجال المياه كفرنسا مثلاً

لنعمل معاً من أجل حق كل مواطن في تلبية حاجاته من المياه

ولنتذكر جميعاً أنه ما عطش مواطن في لبنان إلا نتيجة الهدر وسوء الإدارة العامة

 

منذ صدور القانون رقم 221 بتاريخ 29 أيار 2000 وتعديلاته المتتالية، وما انطوى عليه هذا القانون في الفقرة الثالثة من مادته الثانية، تم وضع يد وزارة الطاقة والمياه على كل مصادر المياه في لبنان بغية خصخصتها.

 

وهذا ما حصل في الشمال مع خصخصة إدارة قطاع المياه فيه وتلزيم هذه الإدارة لصالح شركة أونديو Ondeo الفرنسية منذ أواخر العام 2002، على أن يكون ذلك مقدمة لخصخصة مرافق المياه في كل لبنان.

 

إن إعادة تنظيم قطاع المياه بغية خصخصته لم تقتصر على التصرف بالمياه كملكية عامة، بل انطوت على قيام وزارة الطاقة والمياه بالاستيلاء على الحقوق المكتسبة على المياه، وهذه حقوق فردية عينية معادلة لحقوق الملكية الخاصة.

 

إن القانون رقم 221 وتعديلاته، واجراءات خصخصة إدارة قطاع المياه في الشمال التي اتخذتها وزارة الطاقة والمياه، ينطوي على نزع للحقوق المكتسبة على المياه، وهي حقوق يكفلها الدستور ويصونها القانون. فبأي حق تتصرف وزارة الطاقة والمياه بحقوق فردية لا سلطة لها عليها، وبدون العودة بقرار مصيرها وإدارتها إلى أصحابها الشرعيين.

 

إن المرسوم رقم 8122، تاريخ 3 تموز 2002، والمتعلق ب"تحديد بعض دقائق تطبيق القانون رقم 221..."، قضى بدمج جميع اللجان الأهلية التطوعية التي تدير المياه (وألغى أيضاً دور البلديات في إدارة المياه حيث وجد) في "المؤسسات العامة الاستثمارية المياه المنشأة بموجب القانون رقم 221"، وأصبحت هذه اللجان تعمل تحت السلطة التقريرية لإدارة المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه. ونصت المادة السادسة من المرسوم رقم 8122: "تنقل حكماً إلى "المؤسسة العامة المعنية" حقوق وموجبات جميع... اللجان المدموجة فيها". وبذلك أصبحت اللجان الأهلية التي تدير المياه إدارة تطوعية (مجانية) بمثابة لجان غير شرعية، ولا صلاحيات لها لمتابعة عملها، وعليها تسليم كل موجوداتها المنقولة وغير المنقولة إلى المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه.

 

وبما أن المرسوم التطبيقي رقم 8122 للقانون رقم 221 قضى بأن "يلحق العاملون في... اللجان... بالمؤسسة العامة الاستثمارية للمياه، ويعينون في الوظائف الملحوظة في ملاكاتها الشاغرة على أن تتوفر في كل منهم الشروط الخاصة المطلوبة للاستخدام في الوظيفة...".

 

وبما أن اللجان الأهلية التي تدير المياه تتكون عادة من متطوعين لا يهتمون بأمر توظيفهم في المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، سواء لأنهم موظفون في ملاكات أو مجالات أخرى أو لأنهم متقاعدون، أو لا يرغبون بالوظيفة العامة، أو لغير ذلك من الأسباب، فإن هذه اللجان فقدت كل مبررات وجودها القانونية وباتت منحلة وغير شرعية، ولا يمكنها أن تكون جزءاً من الإطار القانوني لإدارة المياه...

 

 وبما أن جميع المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه والمصالح التابعة لها واقعة، بحكم ما يسودها من فساد وهدر، في عجز مالي مزمن ومدينة سواء لمؤسسة كهرباء لبنان أو للموظفين والعاملين فيها الذين لا يتقاضون رواتبهم  لأكثر من سنة في العديد من مصالح المياه، بينما تشهد اللجان الأهلية التطوعية التي تدير المياه وفراً في موازناتها بحكم العمل التطوعي وعدم الهدر والفساد، وهي بالتالي، لا تكلف الدولة اللبنانية أو المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه أي أعباء مالية بدل إدارة المياه في نطاق عملها.

 

فإن إلغاء اللجان الأهلية لإدارة المياه يعني تصفية النموذج الناجح في إدارة الشؤون العامة وتشجيع النماذج الفاشلة فيها. كما يعني الاستيلاء على الوفر المالي الذي حققته اللجان الأهلية في إدارة المياه لتغطية العجز الذي سببه الهدر والفساد في المؤسسات العامة.

 

أفلا يكفي عدم المحاسبة على الهدر والفساد؟ وهل يجوز ملاحقة العمل التطوعي الناجح بغية القضاء عليه؟ أليس أجدر بالسلطات المائية العامة دراسة أسباب نجاح العمل الأهلي وتطويره والاستفادة منه في تطوير اللامركزية الإدارية استناداً إلى وجود البلديات وإمكانيات العمل التطوعي؟

 

فلنحافظ على هذه الحقوق المكتسبة من تطاول وزارة الطاقة والمياه عليها بغير مسوغ قانوني. ولنحافظ على المياه كملكية عامة من احتمالات جنوح الخصخصة المتسرعة للمياه بجعل إدارتها ومصيرها خارج القرار الوطني ومصلحة الوطن. ولنحافظ على العمل المحلي والتطوعي، ولنعمل على توسيعه بترسيخ وتوسيع وتنظيم صلاحيات المجالس البلدية في إدارة العديد من الشؤون العامة، ومنها المياه خاصة.

 

إن "لجنة المتابعة لقضية المياه في القبيات وعندقت" توجه هذا النداء وفيه:

1- إننا ندعو جميع اللبنانيين، وخاصة جمعيات العمل الأهلي والبلديات والمخاتير والنقابات والتعاونيات والأحزاب...، إلى العمل من أجل حماية المياه كملكية عامة، وإلى الدفاع عن الحقوق المكتسبة على المياه كحقوق فردية معادلة للملكية الخاصة، لا يحق لأي جهة، مهما كانت بما في ذلك الدولة اللبنانية، الاستيلاء عليها أو التصرف بها بدون تفويض من أصحابها.

 

2- إننا ندعو جميع اللبنانيين، وخاصة لجان المياه الأهلية والبلديات التي ما تزال تدير قطاع المياه في نطاقها الجغرافي والتي صمدت بوجه القانون رقم 221 والمتعلق بتنظيم قطاع المياه من أجل خصخصته، إلى العمل من أجل المحافظة على الإدارة المحلية للمياه وتوسيع مجال تطبيقها، ففي ذلك أحد أشكال التعبير الفعلي عن تطبيق بعض بنود دستور الطائف (اللامركزية الإدارية).

 

3- إننا ندعو جميع اللبنانيين إلى مواجهة خصخصة المياه. فالمياه هبة من السماء وليست سلعة. وما يهبه الله لا يتاجر به البشر بزعم مواجهة الديون التي راكمها الفساد الإداري والهدر. ولنحافظ على المياه ملكية عامة، بوسع اللبنانيين وما لديهم من كفاءات وخبرات يستفيد منها العالم في دنيا الاغتراب أن يحسنوا إدارة مياههم بدون وصاية أجنبية نهابة.

 

هل تعلم أن شركة أونديو تتقاضى 45% من قيمة القروض لقاء إدارتها لمياه طرابلس؟ هذه هي خصخصة إدارة المياه!

 

 

الخطوات العملية من أجل تعديل القانون رقم 221 "تنظيم قطاع المياه"

ورفض خصخصة قطاع المياه، والمحافظة على الإدارة المحلية للمياه (لجان أهلية وبلديات) وتوسيعها

والاستفادة من قوانين الدول الناجحة في إدارة المياه (النموذج الفرنسي مثلاً)

 

1- عقد مؤتمرات في الأقضية و/أو المحافظات، تنتهي بمؤتمر وطني عام.

2- تدور المؤتمرات حول محاور ثلاث:

- الحقوق المكتسبة على المياه

                                    - الإدارة المحلية للمياه بالمقارنة مع الإدارة الرسمية (ومنها تجارب الخصخصة)

                                    - أزمة المياه في (القضاء أو المحافظة) ومن ثم في كل لبنان وأسبابها

 

لجنة المتابعة لقضية المياه في القبيات وعندقت

في 4-10- 2005

 

د. جوزف عبدالله

مجلة "العرب والعولمة"

في 26-10-2005

للاتصال:  810946-03، تلفاكس: 351633-06

E-mail: awlamat@dm.net.lb

 

 

...................................................

[1]  مجلس شورى الدولة، قرار رقم 583، تاريخ 5-5-1964. مذكور في: مياه لبنان، نفط لبنان، هيام ملاط، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1982، توزيع المكتبة الشرقية، ص 105.

[2]  مجلس شورى الدولة، القرار رقم 73، تاريخ 21-6-1971. المرجع السابق.

[3]  مجلس شورى الدولة، القرار رقم 68، تاريخ 21-6-1972، مجلة العدل 1973، ص 2، المرجع السابق، ص 105.

[4]  مطر، فايز: نظام المياه الخاصة في لبنان، دراسة قانونية مقارنة، تقديم صلاح مطر، دار المنشورات الحقوقية، صادر، الطبعة الأولى، بيروت، ص 142.

[5]  المرجع السابق، ص 150.

[6]  المرجع السابق، ص 171.

[7]  المرجع السابق، ص 173.

[8]  السفير والنهار، 28-3-2003.

[9]  ندوة حول "آلية تدخل القطاع الخاص في مجال المياه في طرابلس" بتاريخ 12-4-2003، راجع: http://www.hfaa.org.lb/index.htm

[10]  راجع: “UNE CRISE AGGRAVÉE PAR LES INCERTITUDES RÉGIONALES. Clinquants de la modernité libanaise”, Rudolf El-Kareh, Le Monde diplomatique, juillet 2001, p10.

 [11]  نشرت صحيفة كورييه إنترناسيونال Courrier international, 742, 20 janvier 2005 هذا المقال بكامله، وفي عنوانه الفرعي: "أنابيب عملاقة، حاويات هائلة، أكياس بالغة الضخامة... كل شيء صالح لنقل المياه العذبة".

[12]  صحيفة الكفاح العربي، بيروت، 19 تموز 1999.

[13]   كانت الندوة من إعداد لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النيابية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في حضور وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون ورئيس لجنة الأشغال النائب محمد قباني، وعدد كبير من النواب وحشد من السفراء والمنظمات الدولية والهيئات الأهلية والمسؤولين في مجال الطاقة والمياه، بتاريخ 13-2-2002، وبرعاية رئيس مجلس النواب، وفي مبنى المجلس. راجع موقع مجلس النواب على الإنترنت، نشاطات رئاسة مجلس النواب، www.lp.gov.lb.

[14]  راجع: “L’eau du Liban, source de toutes les convoitises”, Gilles LABARATHE, LE COURRIER, 25 mai 2000. http://www.lecourrier.ch/print.php?sid=37808

[15]  الأمن المائي العربي، الواقع والتحديات؛ د. منذر خدام، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، شباط 2001، ص 155. ويتابع: "وكما سوف نلاحظ بعد قليل هناك مبالغات كثيرة في هذا المجال، وخصوصاً في الدراسات الإسرائيلية، وهي مبالغات مقصودة للتغطية على أطماع إسرائيل في مياه لبنان".

[16]  المرجع السابق، ص 156.

[17]   ملاط، مرجع سابق، ص 13.

[18]  خدام، مرجع سابق، ص 156.

[19]  المرجع السابق، ص 159-6-157. راجع سعد الدين مدلل، "الثروة المائية في لبنان"، العلم والتكنولوجيا، العددان 17 و18، تموز 1989.

[20]  الإنتاج والطاقة والمياه والبيئة في منطقة الإسكوا: مؤشرات إحصائية، الأمم المتحدة، ESCWA، نيويورك، 2003، الجدول 14، ص 23.

[21]  خدام، مرجع سابق، ص 157. يؤكد خدام أن "كمية المياه السطحية تتميز بقياسات دقيقة نسبياً، وهي مدروسة ومكممة بصورة دقيقة"، ويستند في كلامه إلى منظمة الفاو: "تقرير الموارد المائية في شمال لبنان" سنة 1975، و"تقرير الموارد المائية في جنوب لبنان" 1977، وإلى: زياد الحجار، "واقع الاستثمار الفني والإداري"، ورقة قدمت إلى "حلقة دراسية حول المياه في لبنان، 27-28 تشرين الثاني 1992.

[22]  المرجع السابق، ص 159.

[23]  المرجع السابق، ص 159-160.

[24]  ملاط، مرجع سابق، ص 14. "معدل التصريف السنوي لكامل المياه السطحية 4025 مليون متر مكعب... ينساب منها خارج لبنان 650 مليون م3.

[25]  الإنتاج والطاقة والمياه...، مرجع سابق، الجدول رقم 14، ص 23، والجدول رقم 15، ص 24.

[26]  ملاط، مرجع سابق، ص 13.

[27]  الإنتاج والطاقة والمياه...، مرجع سابق، الجدول 14، ص 23، والجدول 15، ص 24.

[28]  خدام، مرجع سابق، ص 160.

[29]  خدام، مرجع سابق، ص 188.

[30]  المرجع السابق، ص 190

[31]  الإنتاج والطاقة والمياه...، مرجع سابق، الجدول رقم 25.

[32]  تم اعتماد هذا الجدول استناداً إلى الجدول الذي أعده د. منذر خدام، مرجع سابق، ص 206. وقد أعده خدام بالاستناد إلى المعطيات المنشورة في "الوحدة" (المغرب)، السنة 7، العدد 76، 1991، ص 33-34، وبسام جابر، "مشكلة المياه في لبنان"، ورقة قدمت إلى: "مشكلة المياه في الشرق الأوسط"، ج 2، بيروت

[33]  خدام، مرجع سابق، ص 208، الهامش 8: "انظر كمال حمدان، "الموارد المائية العربية والمتغيرات الدولية"، الطريق، بيروت، السنة 54، العدد 1، 1995، ص 93؛ وفخر الدين دكروب، "الاستغلال الأمثل للموارد المائية في لبنان بما يخدم زيادة الرقعة الزراعية المروية"، ورقة قدمت إلى "ندوة البحث والتطوير والابتكار العلمي في الوطن العربي..."، جامعة العلوم التطبيقية، عمان، 1994، ص 4".

[34] راجع بهذا الخصوص مقدمة المشروع المعقود بين مؤسسة مياه لبنان الشمالي و"مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" بتاريخ 8-1-2004. نجد نص المقدمة والمشروع وهو برقم CLB3000: http://www.afd.fr/jahia/jahia/home/activite/accessecteur

[35]  ندوة حول "آلية تدخل القطاع الخاص في مجال المياه في طرابلس" بتاريخ 12-4-2003، راجع: http://www.hfaa.org.lb/index.htm

[36]  “L’eau du liban source de toutes les convoitises” مرجع سابق.

[37]  ليست "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" AFD وكالة تنمية مجانية، ومجرد مصدر لتقديم المساعدات، بل هي تضم 14 وحدة مصرفية ومالية...، ومهمتها الأساسية تسهيل حركة الاستثمارات الفرنسية في العالم والبحث عن مجالات للربح. وتعمل بالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي، على تسريع وتمويل برامج إعادة الهيكلة، ومنها الخصخصة. وفي هذه المجموعة "الصندوق الفرنسي للبيئة العالمية" FFEM الذي يساهم في تمويل برامج "إعادة الهيكلة" (ومنها الخصخصة) بتشجيع من صندوق النقد الدولي. وهناك أيضاً "مركز الدراسات المالية والاقتصادية والمصرفية" CEFEB الذي تساهم من خلاله "مجموعة وكالة التنمية الفرنسية" بالإشراف التقني وإعداد الكادرات في بلدان العالم الثالث، للانخراط في الخصخصة.

[38]  راجع حول أنشطة بروباركو، المتخصصة في تمويل وتشجيع القطاع الخاص، موقعها على الإنترنت: http://www.proparco.fr

[39]  راجع موقع وكالة التنمية الفرنسية على الإنترنت: http://www.afd.fr/jahia/jahia/pid/223

[40]  نجد هذا التوصيف للمهمة على موقع المصرف الإلكتروني، وفي رسالة جوابية بالبريد الإلكتروني بعثها لنا المصرف بناءً على رسالة استفسار من قبلنا.

[42]  راجع الصحف اللبنانية، وموقع وكالة التنمية الفرنسية على الإنترنت، و L’Orient Le Jour, 13 decembre.2002، راجع  أيضاً: http://www.alyaum.com/issue/print.php?IN=1077&I=38149. وجاء نفس الكلام أيضاً نقلاً عن وكالة الصافة الفرنسية، تحت عنوان: Suez: premier contrat au Liban pour Ondeo? على موقع: http://boursier.com/vals/FR/news.asp?id=49335&stock=12052

[43]  ندوة حول "آلية تدخل القطاع الخاص في مجال المياه في طرابلس" بتاريخ 12-4-2003، راجع: http://www.hfaa.org.lb/index.htm

[44]  ملاط، مياه لبنان...، مرجع سابق، ص 70.

[45]  المرجع السابق، ص 75.

[46]  الرقيب، أرشيف العدد 62، 19 كانون الأول 2002، http://www.alrakib.com/19-12-2002/mah0.htm

[47]  النهار، 20 حزيران 2001.

[48]      “L’eau du liban source de toutes les convoitises” مرجع سابق.

[49]  الرقيب، أرشيف العدد 62، 19 كانون الأول 2002، مرجع سابق.

[50]  راجع الصحف اللبنانية، وموقع وكالة التنمية الفرنسية على الإنترنت، و L’Orient Le Jour, 13 decem.2002

[51]  المرجع السابق.

[52]  الصحف اللبنانية، السفير، 17 آب 1999.

[53]  صحيفة "الكفاح العربي"، "المهندس فادي قمير مدير عام التجهيز المائي والكهربائي في "حوار الاثنين": قطاع المياه إستراتيجي لا يجوز خصخصته"، 19 تموز 1999، بيروت. راجع أيضاً حول الخطة العشرية "خطة 200-2009" مجلة "المقاول اللبناني"، الدكتور فادي قمير يشرح  بالأرقام والتفاصيل، مياه لبنان قيد التأهيل"، تشرين الأول 1999، بيروت؛ جريدة المستقبل، "المستقبل تنشر الخطة العشرية للموارد، 1275 مليار ليرة لتأمين المياه حتى سنة 2009"، 13 كانون الأول 1999.

[54]  صحيفة "الكفاح العربي"، المرجع السابق.

[55]  المرجع السابق.

[56]  مجلة "المقاول اللبناني"، تشرين الأول 1999، مرجع سابق، وجريدة "المستقبل"، 13 كانون الأول 1999، مرجع سابق.

[57]  صحيفة "الكفاح العربي"، مرجع سابق.

[58]  مجلة "المقاول اللبناني"، مرجع سابق.

[59]  المرجع السابق.

[60]  إن الدعوة إلى دمج مصالح المياه قديمة وتعود إلى القانون المنفذ بالمرسوم 3275 تاريخ 24 أيار 1972، والمرسوم 4537 تاريخ 15 كانون الأول 1972. قضى هذا التشريع بدمج مصالح ولجان المياه في لبنان بخمس مصالح: مصلحة مياه بيروت وضواحيها، ومصلحة مياه جبل لبنان، ومصلحة مياه لبنان الشمالي ومصلحة مياه لبنان الجنوبي ومصلحة مياه البقاع.

[61]  مجلة "المقاول اللبناني"، مرجع سابق.

[62]  صحيفة "الكفاح العربي"، مرجع سابق.

[63]  المرجع السابق.

[64]  مجلة "المقاول اللبناني"، مرجع سابق.

[65]  السفير والنهار، 28-3-2003.

[66]  راجع: www.lp.gov.lb

[68]  “L’eau du liban source de toutes les convoitises” مرجع سابق.

[69]  النهار، 18 كانون الثاني، 2003. نظمت الورشة "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الإسكوا) بالتعاون مع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي". وحضر الوشة ممثل عن وزارة الطاقة والمياه، وشارك فيها خبراء يمثلون وزارات الطاقة والبيئة والزراعة والصحة والمؤسسات المعنية بالمياه، وممثلين عن المنظمات افقليمية والدولية.

[70]  النهار، 10-7-2002.

[71]  النهار، 30حزيران 2001.

[72]  راجع: “Chronologie: une gestion locale non démenti depuis deux siècles”،

تجد هذا الموضوع على موقع: http://www.vie-politique.fr/politiques-politiques/publiques-eau/chronologie

[73]  المرجع السابق: http://www.vie-publique.fr/politiques-publiques/politique-eau/chronologie

[74]  راجع: http://www.vie-publique.fr/documents-vp/entrepriseprivee.shtml

[75]  ملاط، هيام: مياه لبنان، نفط لبنان، مرجع سابق، ص 70.

[76]  راجع: Documentation Française, Les communes, http://www.vie-publique.fr/documents-vp/communes.shtml

[77]  استناداً إلى إحصاء أجرته وزارة الزراعة الفرنسية. وارد في: Françoise NOWAK, Le prix de l’eau, Editions Economica, 1995. راجع: http://www.waternunc.com

[78]  راجع: تحقيق حول المياه قام به المعهد الفرنسي للبيئة Institut français de l’environnement والجهاز المركزي للتحقيقات والدراسات الإحصائية في وزارة الزراعة (الفرنسية) Service central des enquêtes et études statistiques du ministère de l’agriculture بشراكة مع وكالات المياه (الفرنسية) Agences de l’eau من كانون الأول 1999 حتى نيسان 2000. تجد البيان الصحفي حول نتائج التحقيق الذي صدر بتاريخ 4 أيار 2001 على موقع: http://www.waternunc.com/fr/actuafra.htm

[79]  راجع مقال "المياه والقضاء" (Eau et cour, 3 avril 2003) على موقع: http://www.apinic.org/article.php3?id_article=#

[80]  المرجع السابق.

[81]  المرجع السابق.

[82]  المرجع السابق، استناداً إلى: Enquëte sur le prix de l’eau 1995-2000, Direction générale de la concurrence…, nov. 2001

[83]  المرجع السابق.

[84]  من مقال: Privatisation de l’eau å Manille… راجع: http://www.eau.apinc.org/articleimp.php3?id_article=189

[85]  راجع مقال: Appel à l’action! Stop SUEZ، وهو موجود على: http://www.eau.apnic.org/articleimp.php3?id_article=386

 

back to Top

back to Eaux-Kobayat

back to Books