منطلقات العولمة

أهدافها وآلياتها، آثارها الاقتصاديّة والاجتماعيّة

د. عبد القادر نيال

 

 

مقدمة

 

قد لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إنّ ظاهرة العولمة هي من أوسع القضايا انتشارًا في أوساط المهتمّين في الشّأن العام، ومن أكثرها إثارة للجدل بين المفكّرين والمثقّفين، إذ يندر أن تعقد ندوة في أيّ موضوع دون أن يتطرّق النّقاش إلى ظاهرة العولمة، أو أن يكتب بحث أو مقال في الشّؤون الاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة دون أن يعرّج الكاتب على هذه الظّاهرة. وتكاد لا تخلو واجهات المكتبات من كتاب أو أكثر يحمل غلافه عنوان العولمة. ناهيك عن الصّحف والمجلات الّتي تتصدّر صفحاتها أخبار لقاءات واجتماعات أقطاب العولمة، أو تظاهرات القوى المناهضة للعولمة وتحرّكاتها.

 

سنتناول في هذه الدراسة البحث في منطلقات العولمة وأهدافها وآلياتها وآثارها الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وتشتمل الدّراسة على قسمين رئيسيين، حيث سيتضمّن القسم الأوّل عرضًا مكثّفًا لآراء عدد من الكتّاب الّذين تصدّوا لتحليل منطلقات وأهداف وآليات العولمة. ويعتبر الكتّاب الّذين جرى تلخيص آرائهم في هذا القسم من أبرز الكتّاب العرب الّذين ساهموا في توضيح أهداف وآليات العولمة. ويتوجّب الاعتراف هنا بأنّ اختيار هؤلاء الكتّاب يكشف انحيازًا للاتّجاه المناهض للعولمة، لأنني من المؤمنين أنّ الصّيغة الّتي يجري تسويقها الآن تشكّل تهديدًا خطيراً، ليس لمستقبل التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة العربيّة فحسب، بل للثّقافة العربيّة وللهويّة القوميّة وللمشروع النّهضوي العربيّ أيضًا، وأنّ الحياد حيال هذه القضيّة لا يعبّر عن موقف موضوعي وإنّما يقود إلى الاستسلام والرّضوخ للهيمنة الأميركيّة والشركات المتعدّية الجنسيّة.

 

وقد تمّ التّعامل مع منطلقات وأهداف وآليات العولمة في حزمة واحدة نظرًا للتّداخل والتّرابط الّذي يقوم بينها. أمّا القسم الثّاني من الدّراسة فسيعنى برصد الآثار الاقتصاديّة والاجتماعيّة للعولمة، وسنحاول في هذا القسم أن نوضّح أنّ الأوضاع الرّاهنة لاقتصادات معظم البلدان النّامية غير مهيّأة للاستفادة من الفرص الّتي يزعم مروّجو العولمة أنّها متاحة لها، وأنّ المخاطر النّاجمة عن تحرير التّجارة والأسواق المالية تلحق أضراراً بالغة في اقتصاداتـها. كما سنبيّن في هذا القسم أنّ القصور الّذي يعتري أسواق البلدان النّامية يجعل من الخطورة بمكان الاعتماد المطلق على آليات السّوق، مع ما يستدعي قيام الدّولة بدور فعّال في النّشاط الاقتصادي.

 

القسم الأوّل: منطلقات وأهداف وآليات العولمة

 

على الرّغم من كثرة ما كتب في موضوع العولمة، فإنّ الجدل ما زال محتدماً بين الدّاعين للعولمة والمناهضين لها... بين الّذين ينادون بأنّ اتّباع نـهج الحرّيّة الاقتصاديّة (الليبراليّة)، وإزالة القيود أمام حركة السّلع والخدمات ورؤوس الأموال، وإفساح المجال أمام القطاع الخاصّ لقيادة عمليّة التنمية، والاندماج في الاقتصاد العالمي والتكيّف مع متطلّبات العولمة هو السّبيل الوحيد أمام البلدان النامية للخروج من نفق التّخلّف وتنمية اقتصاداتـها... والّذين يعتقدون بأنّ الالتحاق بالعولمة سيقود إلى إجهاض عمليّة التنمية الذّاتيّة في البلدان النّامية، وتـهميش اقتصاداتـها، وإحكام سيطرة الشّركات المتعدّية الجنسيّة على مواردها، وإفقار شعوبها ومصادرة دور الدّولة التنموي، واختراق ثقافات شعوبها، واستلاب هوياتها القوميّة، وانكشاف أمنها القومي.

 

وبينما يتحدّث دعاة العولمة بلهجة يقينيّة بأنّ العولمة قدر محتوم لا مهرب منه، وأنّها تيّار جارف سيجتاح كلّ من سيقف في طريقه، وأنّه لا خيار أمام البلدان النّامية سوى الدّخول في تيّار العولمة ومسايرته والتّكيّف معه، يؤكّد مناهضوها أنّ العالم لا يزال أبعد عن أن يكون كونيًّا، وأنّ تدفّقات التّجارة والاستثمار والأموال تتركّز في ثلاثي أوروبا واليابان وأميركا الشّماليّة، وأنّ إمكانيّة السّيطرة على اقتصادات السّوق لتحقيق الأهداف الاجتماعيّة ما زالت قائمة على الصّعيدين القومي والعالمي. ويجد الدكتور جلال أمين في تذرّع دعاة العولمة بحتميّتها تعبير عن اليأس من أيّ محاولة للوقوف في وجهها[1]. أمّا عن الأثر السّياسي للعولمة فلا يجد بول هيرست وجراهم طومبسون تعبيرًا لوصفه أفضل من مرض نقص الآمال المفرط[2].

وعلى الرّغم من أنّ الجدل الدّائر حول ظاهرة العولمة قد بدأ في أعقاب سقوط الاتّحاد السّوفياتي، فإنّه من الخطأ الاعتقاد بأنّها حديثة النشأة. ووفقًا لنموذج رولاند روبرتسون الّذي حاول من خلاله تتبُّع مراحل تطوّر العولمة، كان نشوء الدّولة القوميّة الموحدّة نقطة البدء باعتبار أنّ ظهور المجتمع القومي منذ حوالي منتصف القرن الثّامن عشر يمثّل بنية تاريخيّة فريدة. كما أنّ شيوع المجتمعات القوميّة في القرن العشرين هو فعل من أفعال العولمة، بمعنى أنّ إذاعة ونشر الفكرة الخاصّة بالمجتمع القومي كصورة من صور الاجتماع المؤسّسة، كان جوهريًّا بالنّسبة إلى تعجيل العولمة الّتي ظهرت منذ قرن من الزّمان.[3]

ويرى الدكتور جلال أمين "أنّ العناصر الأساسيّة في فكرة العولمة: ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، سواء المتمثّلة في تبادل السّلع والخدمات أو في انتشار المعلومات أو الأفكار، أو في تأثّر أمّة بقيَم وعادات غيرها من الأمم، كلّ هذه العناصر يعرفها العالم منذ عدّة قرون، وعلى الأخصّ منذ الكشوف الجغرافيّة في أواخر القرن الخامس عشر[4].

 

ويعترف الدكتور جلال أمين بأنّ أشياء جديدة ومهمّة قد طرأت على ظاهرة العولمة في الثلاثين سنة الأخيرة ومنها:

1-انـهيار أسوار عالية كانت تحتمي بـها بعض الأمم والمجتمعات من تيّار العولمة والّتي من أهمّها أمم أوروبا الشّرقيّة والصّين.

2-الزّيادة الكبيرة في درجة تنوّع السّلع والخدمات الّتي يجري تبادلـها، وكذلك تنوّع مجالات الاستثمار الّتي تتّجه إليها رؤوس الأموال من بلد لآخر.

3-الارتفاع الشّديد لنسبة السّكّان في داخل كلّ مجتمع أو أمّة الّتي تتفاعل مع العالم الخارجي وتتأثّر به.

4-بدأ التّبادل المباشر للمعلومات والأفكار يصبح هو العنصر الغالب على العلاقات بين الدّول خلال الثّلاثين عامًا الأخيرة، ولم يعد متوقّفًا على حجم التّجارة أو حجم تدفّق الأشخاص أو رؤوس الأموال أو على الأقلّ هو العنصر الّذي ينمو بسرعة أكبر.

5-أصبحت الشّركات المتعدية الجنسيّة هي الوسيلة المهيمنة والأكثر فعاليّة ونشاطًا في تحقيق انتقال السّلع ورأس المال والمعلومات والأفكار.

6-التغيّر الملحوظ الّذي طرأ على مركز الدّولة ووظائفها. إذ غدا المطلوب من الدّولة أن ترخي قبضتها شيئًا فشيئًا على الاقتصاد والمجتمع تحقيقًا لمصالح الشّركات المتعدّية الجنسيّة، وأن تعمل على هدم الحواجز العالية الّتي أقامتها في وجه حركة السّلع والخدمات ورؤوس الأموال طوال نصف القرن الماضي، وأن تشدّد قبضتها على العمّال لقبول ارتفاع معدّلات البطالة وتخفيض الانفاق الحكومي وإزالة دولة الرّفاهية[5].

 

وفي محاولة للإجابة على تساؤل كيف تأسّست خرافة عولمة النّشاط الاقتصادي، يشير الكاتبان بول هيرست وجراهام طومبسون إلى عدد من التغيّرات المهمّة الّتي أنـهت حقبة ما بعد 1945، الّتي كانت حقبة نـموّ اقتصادي طويل وعمالة تامّة في البلدان المتقدّمة، مدعّمة باستراتيجيّات تدخل نشيط للدّولة القوميّة وإدارة نظام تجارة وسياسة نقديّة متعدّد الأطراف تحت هيمنة الولايات المتّحدة. ويتجلّى أبرز هذه المتغيّرات فيما يلي:

-الاضطرابات والتّقلّبات السّريعة الّتي انتابت الاقتصادات الكبرى خلال عقد السّبعينيّات حتّى مطلع الثّمانينيّات بتأثير انـهيار نظام بريتون وودز وارتفاع أسعار النّقط في عامي 1973 و1979.

-سعي المؤسّسات الماليّة والصّناعيّين خلال فترة الاضطراب والضّغوط التّضخميّة إلى منافذ أوسع للاستثمارات والأسواق الإضافيّة وانتشار الإقراض المصرفي للعالم الثّالث خلال عقد السّبعينيّات، ونـموّ سوق اليورو دولار، وازدياد نسبة التّجارة الخارجيّة إلى إجمالي النّاتج المحلّي في البلدان المتقدّمة.

-تخلّي السّياسات الحكوميّة عن أنظمة صرف العملات على نطاق واسع، وإلغاء الضّوابط عن السّوق أواخر عقد السّبعينيّات ومطلع عقد الثّمانينيّات.

-التّطوّر السّريع لعدد من البلدان المصنعة حديثًا في العالم الثّالث، وتغلغلها في أسواق العالم الأوّل.

-اعتماد طريقة انتاج أكثر مرونة، والانتقال من فكرة الشّركة القوميّة المحتكرة باعتبارها الفاعل الاقتصادي المهيمن بلا منازع إلى عالم معقّد من المشاريع متعدّدة القوميّة والشّركات ذات الهياكل المرنة، واتّساع بروز الشركات الصّغيرة[6].

 

ولكن ما المقصود بالعولمة ؟ وهل بالإمكان الوصول إلى تعريف دقيق لهذه الظّاهرة المعقّدة؟.. في محاولة لتناول هذه المسألة يقول الأستاذ السيد يسين: "إنّ صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقّة، نظرًا إلى تعدّد تعريفاتـها والّتي تتأثّر أساساً بانحياز الباحثين الإيديولوجيين واتّجاهاتهم إزاء العولمة رفضًا أو قبولاً[7]. ويضيف الأستاذ يسين أن "العولمة ليست محض مفهوم مجرّد، فهي عمليّة مستمرّة يمكن ملاحظتها باستخدام مؤشّرات كميّة وكيفيّة في مجالات السياسة والاقتصاد والثّقافة والاتّصال"[8]. ويذهب بعض الباحثين إلى أنّ العولمة تصف وتعرّف مجموعة من العمليّات الّتي تغطّي أغلب الكوكب، وتتضمّن تعميقًا في مستويات التّفاعل والاعتماد المتبادل بين الدّول والمجتمعات والّتي تشكّل المجتمع العالمي.

 

ويقرّر الاستاذ يسين أننا "ما زلنا في مرحلة فهم ظاهرة العولمة واستكشاف القوانين الخفيّة الّتي تحكم مسيرتها، والّتي تسهم في الوقت الرّاهن في تشكيلها. هي في الحقيقة ظاهرة غير مكتملة الملامح والقسمات، بل إنّنا نستطيع أن نقول إنّ العولمة عمليّة مستمرّة تكشف كلّ يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعدّدة"[9]. ويضيف الأستاذ يسين: "إنّ جوهر عمليّة العولمة يتمثّل في سهولة حركة النّاس والمعلومات والسّلع بين الدّول على النطاق الكوني"[10]. ويؤكّد في الختام أنّه "لا يمكن تعريف العولمة بغير تحديد تجليّاتها وأبعادها في ميادين السّياسة والاقتصاد والثّقافة"[11].

 

أمّا الدّكتور محمّد الأطرش فيقدّم تعريفًا جامعًا للعولمة "بأنّها تعني بشكلٍ عامّ اندماج أسواق العالم في حقول التّجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال رؤوس الأموال والقوى العاملة والثّقافات والتّقانة ضمن إطار من رأسماليّة حريّة الأسواق، وتاليًا خضوع العالم لقوى السّوق العالميّة، ممّا يؤدّي إلى اختراق الحدود القوميّة وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدّولة، وأنّ العنصر الأساسي في هذه الظّاهرة هي الشّركات الرّأسماليّة الضّخمة متخطّية القوميّات"[12].

 

ويرى الدّكتور اسماعيل صبري عبدالله[13] أنّه لا جدوى في محاولة البحث عن أصول فكريّة للكوكبة (العولمة) في العلوم الاجتماعيّة، لأنّ الوقائع "تثبت أنّها، أساساً، نتاج داخليّ للرّأسماليّة المعاصرة، تتجسّد في الشّركات متعدّية الجنسيّة". ولبيان قوّة الشّركات المتعدّية الجنسية يذكر الدّكتور عبدالله أنّ عدد الشّركات الأهمّ بلغ 500 شركة عام 1995، بلغت أصولها 32.3 تريليون دولار، وبلغ مجمل إيراداتها 11.4 تريليون دولار، ومجمل أرباحها 323.4 مليار دولار، ومجموع العاملين فيها 35.3 مليون عامل. وتتوزّع المقارّ الرّئيسيّة للغالبيّة السّابقة لهذه الشّركات بين الولايات المتّحدة (153 شركة) والاتّحاد الأوروبي (155 شركة) واليابان (141 شركة).

 

وفي توضيحه لما هو مقصود بالكوكبة، يلتقي الدكتور اسماعيل صبري عبدالله في كثير من الجوانب مع تعريف الدكتور محمد الأطرش للعولمة، حيث يقول إن المقصود بالكوكبة هو "التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة دون حاجة إلى إجراءات حكومية". ويعتقد الدكتور عبدالله أن مفتاح التحليل هو إدراك أن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير ملامحها واساليبها في الاستغلال عبر الزمن. ويضيف الدكتور عبدالله أن الأمبريالية كما حللها لينين، وكما كانت قائمة في عصره، قد اختفت، لكن هذا لا يعني انتهاء الاستغلال الرأسمالي، وعلى العكس فإن أوضاع الرأسمالية العالمية الآن تزيد من حجم الاستغلال وبتكلفة أقل عما كانت تتحمله في الماضي. وكما يتضح من عنوان مقال الدكتور عبدالله، فإن الكوكبة (العولمة) هي الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الأمبريالية.

 

وفي محاولته للكشف عما يجري تحت سطح الظواهر والتغييرات الحاصلة، يلجأ الدكتور جلال صادق العظم[14] إلى التمييز بين دائرة الإنتاج المباشر ودائرة التبادل داخل نمط الإنتاج الرأسمالي. يقول الدكتور العظم أنه حتى منصف هذا القرن ظلت عالمية نمط الإنتاج الرأسمالي مقتصرة في الغالب على دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والاستيراد والتصدير، مع بقاء دائرة الإنتاج ودورتها في دول المركز الأصلي وحدها. ويرى الدكتور العظم أن العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منصف هذا القرن تقريبا إلى نقطة الإنتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج. والعولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن أنجزت رسملته على مستوى السطح. "فالعولمة هي تسليع كل شيء بصورة أو بأخرى، وفي كل مكان بما في ذلك أشكال الإنتاج غير الرأسمالية وقبل الرأسمالية وتلك التي كانت محاذية وموازية للأشكال الرأسمالية، إنها أممية رأس المال على الأصعدة كلها وعلى المستويات كافة السطحية منها والعميقة".

 

ويرى الدكتور العظم أن العولمة تعني بالنسبة للمراكز الرأسمالية "انتقال الرأسمال المركزي من الاستثمار الكلاسيكي في المرافئ والمناجم والتعدين والمواصلات والعقارات والموارد الأولية والمواد الخام وأنواع معينة من المنتجات الزراعية والتجارة فيها بشروط تفضيلية للطرف الأقوى، الانتقال من ذلك كله إلى الاستثمار في الصناعة، وما تحتاجه من تنظيمات وتوابع ولواحق ومؤسسات مالية ومصرفية ودعائية واتصالاتية وما إليه، دون أن يعني ذلك التخلي بأي شكل من الأشكال عن استثمارات النوع الأول غير المباشرة، ويعني هذا بدوره أن الميل الآن هو ليس إلى التبادل التجاري التفضيلي واللامتكافئ  مع دول الأطراف فقط، بل إلى الانتاج فيها أيضا".

 

ويلقي الدكتور سمير أمين[15] ضوءاً على الأزمة الهيكلية التي تعاني منها الرأسمالية، والتي تتجلى في أن "الأرباح المستخرجة من الاستغلال الرأسمالي لا تجد منافذ لها بالدرجة الكافية في الاستثمارات المربحة القادرة على توسيع القدرات الإنتاجية. وفي هذه الظروف يصير الهدف الرئيسي لسياسات إدارة الأزمة البحث عن منافذ أخرى لفائض الأموال العائمة، من أجل حماية النظام من خطر تبخيس فجائي وضخم لقيمة هذه الأموال كما حدث خلال الثلاثينات.

 

ولتوضيح حجم الأزمة يشير الدكتور أمين إلى أن حجم المبادلات التجارية العالمية لا يزيد عن 3000 مليار دولار سنويا، في الوقت الذي يقوّم فيه حجم التدفقات المالية الدولية بمبلغ 80-100 ألف مليار دولار سنويا، أي 30 ضعف الرقم الأول. ولإدارة المشاكل الناتجة عن هذه الحركات المالية تفرض الإمبريالية مجموعة من الإجراءات المتكاملة تتجلى في لبرلة الحركات المالية على الصعيد العالمي، تبني مبدأ الصرف العائم، رفع مستويات أسعار الفائدة، قبول استمرار عجز ميزان مدفوعات الولايات المتحدة، ضمان سداد حزمة الديون الخارجية للعالم الثالث والشرق، تشجيع الخصخصة.

 

ويعتبر الدكتور أمين أن برامج التثبيت هي ليست خطط تحويل الهياكل الإنتاجية لكي تتفق مع شروط إنعاش الأسواق وتوسيعها، بل لا تعدو أن تكون تكيفات ظرفية خاضعة لمنطق إدارة الأزمة في الأجل القصير، خاصة لمقتضيات ضمان الربحية المالية لفائض الأموال، ولو على حساب التنمية، مما ينجم عنه تفاقم التفاوت في توزيع الدخل قطريا وعالميا، الأمر الذي يحبس الاقتصاد في مأزق ركودي يحول دون الخروج من الأزمة.

 

ومع الإقرار بخطورة العولمة الاقتصادية والسياسية اللتان تمكنان القوى الاقتصادية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة من السيطرة على العالم، فإن العولمة الثقافية أو ثقافة العولمة لا تقل خطورة عنهما. وتتجلى خطورة ثقافة العولمة في تعريض النسيج الثقافي الوطني للتمزيق، وتأسيس وعي الجماعة على منظومات من القيم والأفكار لم تخرج من رحم التطور الاجتماعي، وتاليا خلق تجافي بين الثقافي والاجتماعي ما سيولد خللا في البنى الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى استلاب الهوية القومية للجماعة.

 

يقول الدكتور عبد الإله بلقزيز إنه "ليس صحيحا أن العولمة الثقافية هي الانتقال من حقبة – ومن ظاهرة – الثقافات الوطنية والقومية إلى ثقافة عليا جديدة هي الثقافة العالمية أو الثقافة الكونية، على نحو ما يدعي مسوقو فكرة العولمة الثقافية، بل إنها –بالتعريف- فعل اغتصابي ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات[16]. ويدعو الدكتور بلقزيز إلى وعي الفارق بين التثاقف والعنف الثقافي. فالتثاقف يعني "الإصغاء المتبادل بين سائر الثقافات بعضها إلى البعض الآخر، كما يعني الاعتراف المتبادل بينها، ومنه الاعتراف بحق الاختلاف وهو من أقدس حقوق الإنسان، فيما لا ينطوي العنف الثقافي سوى على الإنكار والإقصاء لثقافة الغير، وعلى الاستعلاء والمركزية الذاتية في رؤية ثقافية"[17].

 

والعولمة الثقافية برأي الدكتور بلقزيز هي "السيطرة الثقافية الغربية على سائر الثقافات بواسطة استثمار مكتسبات العلوم والثقافة في ميدان الاتصال، وهي التتويج التاريخي لتجربة مديدة من السيطرة بدأت منذ انطلاق عمليات الغزو الاستعماري منذ قرون، وحققت نجاحات في إلحاق التصفية والمسخ بثقافات جنوبية عديدة"[18]. ويرى الدكتور بلقزيز أن العولمة الثقافية تجري وتتوسع في مناخ من التراجع الحاد للثقافة المكتوبة على صعيد الإنتاج والتداول. والصورة هي اليوم المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد، نظام إنتاج وعي الإنسان بالعالم. إذ لا تحتاج الصورة دائما إلى المصاحبة اللغوية كي تنفذ إلى إدراك المتلقي، فهي بحد ذاتها خطاب ناجز مكتمل، يمتلك سائر مقومات التأثير الفعال في مستقبلهم. وباتت الصورة قادرة على تحطيم الحاجز اللغوي تماما كما تستطيع العولمة الاقتصادية اليوم تحطيم الحاجز الوطني والجمركي لتصل إلى أي إنسان في عقر داره[19].

 

ويعتقد الدكتور بلقزيز "أن النظام السمعي-البصري (نظام ثقافة العولمة) أصبح المصدر الجديد الأقوى لإنتاج القيم والرموز وصناعتها، وتشكيل الوعي والوجدان والذوق، ولذلك آثاره الخطيرة على صعيدين: على صعيد مستوى التنمية الثقافية والقيمية التي تقترحها العولمة على البشرية اليوم، وعلى صعيد درجة التناسب الطبيعي بين الثقافي والاجتماعي في المجتمعات المعاصرة والمستقبلية"[20]. ويشدد د. بلقزيز على "أن الثقافة بوصفها منتوجا اجتماعيا دخلت ميدان هذه العملية الاقتصادية-التجارية أسوة بغيرها من المنتوجات، إذ تحررت من القيود الجمركية، وباتت قابلة للتداول على أوسع نطاق في العالم، وأنها قد أصبحت سلعة-مجرد سلعة- ينطبق عليها من الأحكام والإجراءات ما ينطبق على سواها من السلع المادية. غير أن الأهم هو القرار بأن مجال المنافسة في تسويق هذه السلعة بات ضيقا للغاية، ولا يتسع إلا للقوى التي تمتلك قدرة ثقافية أكبر، الأمر الذي يفرض القول بأن التبادل الثقافي العالمي- الجاري في ركاب التجارة الحرة– تبادل غير متكافئ، ولا يعبر عن أية إمكانية لتحويل العولمة الثقافية إلى تثاقف متوازن بين الثقافات والشعوب والمجتمعات بل يحتفظ بها بتعريف واحد الغزو والاختراق"[21].

 

في بحثه عن العولمة والهوية الثقافية، يبين الدكتور محمد عابد الجابري[22] أن العولمة ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا، وبالدرجة الأولى، إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم وأمركته مستخدمة الوسائل التالية لتحقيق ذلك:

-استعمال السوق المالية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية، في نظمها وبرامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية.

-اتخاذ السوق والمنافسة التي تجري فيها مجالا للاصطفاء بالمعنى الدارويني للكلمة.

-اعطاء كل الأهمية والأولوية للإعلام لإحداث التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي.

 

ويميز الدكتور الجابري بين العولمة والعالمية. فالعولمة إرادة الهيمنة، وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصي. أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي. العولمة احتواء للعالم، والعالمية تفتح على ما هو عالمي وكوني. والعولمة طموح بل إرادة لاختراق الآخر وسلبه خصوصيته، وبالتالي نفيه من العالم. والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة يريد إلغاء الصراع الإيديولوجي والحلول محله. وثقافة الاختراق هي ثقافة إشهارية إعلامية سمعية بصرية تصنع الذوق الاستهلاكي (الإشهار التجاري) والرأي السياسي (الدعاية الانتخابية) وتشيد رؤية خاصة للإنسان والمجتمع والتاريخ. وتقوم ثقافة الاختراق على جملة أوهام هدفها التطبيع مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري.

 

وهذه الأوهام هي:

-وهم الفردية، لإلغاء الهوية الجمعوية والطبقية والوطنية والقومية.

-وهم الخيار الشخصي، لتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية.

-وهم الحياد لتكريس التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية.

-وهم الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية لا تتغير، لصرف النظر عن رؤية الفوارق بين الأغنياء والفقراء، بين البيض والسود، بين المستغِلين وبين من هم ضحايا الاستغلال وقبولها بوصفها أمورا طبيعية.

-وهم الاعتقاد بغياب الصراع الاجتماعي، للاستسلام للجهات المستغلة والتطبيع مع الهيمنة والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الأول والأخير للعولمة.

 

ويؤكد الدكتور الجابري أن العولمة هي نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع إلى التفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة، أو يفرقهم في أتون الحرب الأهلية. وهي تكريس الثنائية والانشطار في الهوية الثقافية العربية.

 

وينهي الدكتور الجابري بحثه بالتشديد على أن حاجتنا إلى الدفاع عن هويتنا الثقافية بمستوياتها الثلاثة (الفرد والجماعة والأمة) لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لدخول عصر العلم والتقانة وفي مقدمتها العقلانية والديمقراطية.

 

في ضوء المراجعة المكثفة للجدل الدائر حول العولمة، يمكن استخلاص ما يلي:

1-  تمثل العولمة نقلة نوعية في مسيرة تطور النظام الرأسمالي، وتجسد بداية لمرحلة جديدة تنطوي على الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج، وذلك بعد أن بلغت عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق حد الإشباع وتعاظم حجم التدفقات المالية العالمية، ما يستدعي البحث عن منافذ إضافية لاستثمار فائض الأموال العائمة في مجالات مربحة لتوسيع القدرات الإنتاجية ولتجنب أزمة تهدد النظام. فالنظام الرأسمالي الهادف إلى تنظيم الأرباح عن طريق إعادة استثمار أرباحه والاستقراض من أسواق رؤوس الأموال هو محكوم بالتوسع المستمر لتفادي الركود والكساد. وقد أتاح التقدم التقاني الذي تحقق خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولا سيما في مجالي المعلومات والاتصالات، إمكانية توفير مداخيل جديدة وأشكال متقدمة من تقسيم العمل ترتكز على تجزئة العمليات الإنتاجية وتوزعها في أماكن متفرقة ومتباعدة، بما يحقق الهدف النهائي للنظام الرأسمالي وهو تعظيم الأرباح.

 

2-  من أجل إيجاد منافذ جديدة لاستثمار الفوائض المالية العائمة وضمان استمرار توسع النظام الرأسمالي، يجري الترويج للسياسات والآليات التالية:

- إزالة جميع القيود المفروضة أمام حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص

- تراخي قبضة الدولة على النشاط الاقتصادي

- خصخصة القطاع العام

- إطلاق العنان لآليات السوق لتوجيه الأنشطة الاقتصادية

- تمكين القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد الوطني

- إفساح المجال أمام الشركات المتعدية الجنسية للعمل بحرية.

 

ويتولى مهام الترويج لهذه السياسات والآليات المؤسسات الدولية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وذلك من خلال برامج التثبيت والتكييف والإصلاح الهيكلي وتحرير تجارة السلع والخدمات وتدفق رؤوس الأموال.

 

3-  لا تكتفي العولمة بإحداث تغييرات جوهرية في نمط الإنتاج وإعادة الإنتاج وعلاقات الإنتاج ونمط الاستهلاك فحسب، بل تعمل- من خلال الاختراق الثقافي ونشر أوهام لتكريس الهيمنة والاستتباع- على تغيير منظومات القيم وأنماط العادات والسلوك وطرائق العيش للمجتمعات الطرفية، وإحلال منظومات جديدة من المعايير والقيم التي ترسخ النفعية والفردانية والأنانية والنزوع المادي- الفيزيائي المجرد من أي محتوى إنساني. كما تؤدي العولمة إلى إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، وتدفع باتجاه التفتيت والتشتيت. ومن شأن العولمة الثقافية أو ثقافة العولمة أن تمكّن المراكز الرأسمالية من إحكام قبضتها على المجتمعات الطرفية وتضعف من إمكانات المقاومة لديها.

 

4-  بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار الأنظمة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية، غدت الولايات المتحدة الأميركية القطب الأوحد دون منازع الذي يمتلك أقوى قوة اقتصادية وعسكرية وتقانية في العالم. وإلى جانب القوى الاقتصادية والعسكرية والتقانية لدى الولايات المتحدة الأميركية منظومة إعلامية تشتمل على شركات إنتاج سينمائي وشبكات تلفزيونية ووسائل اتصال ودور نشر وصحف ومجلات هي الأوسع انتشاراً والأشد تأثيراً في العالم. فضلاً عن أنها تحتضن مقار أكثر من ثلث الشركات العالمية المتعدية الجنسية الأكبر في العالم. وقد مكنت هذه القوة الهائلة غير المسبوقة في تاريخ البشرية الولايات المتحدة من فرض سيطرتها على مجلس الأمن ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. ولأنها القوة الاقتصادية الأعظم- حيث يشكل الاقتصاد الأميركي نحو 20 إلى 25 بالمئة من الاقتصاد العالمي ويقوم الدولار بوظيفة العملة الدولية وبأكبر وأهم دور في الاحتياطيات النقدية الدولية- ولأنها تتبنى الاتجاه الأكثر تطرفاً والأشد وحشية في الليبرالية، ولأنها المستفيد الأكبر من العولمة، تقوم الولايات المتحدة بمهمة فرض العولمة على العالم. وهكذا تماهت العولمة بالأمركة، وغدت العولمة والأمركة وجهين لعملة واحدة.

 

القسم الثاني: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعولمة

 

تشتمل أجندة العولمة على الصعيد الاقتصادي على مجموعة من السياسات والإجراءات نلخصها فيما يلي:

- تحرير السلع والخدمات من جميع القيود التي تحد من تدفقها

- إزالة القيود التي تعرقل حركة رؤوس الأموال. ويندرج ضمن هذا البند حرية تحويل العملة، وإقامة أسواق للأوراق المالية

- إفساح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية

- إطلاق العنان لقوى السوق وآلياته

- خصخصة القطاع العام

- انسحاب الدولة من الأنشطة الاقتصادية

- تمكين القطاع الخاص من الاضطلاع بمسؤولية التنمية

 

ويمكن إدراج هذه البنود ضمن المجموعتين الرئيسيتين التاليتين:

المجموعة الأولى: تحرير السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية

المجموعة الثانية: دور الدولة والقطاع الخاص وآليات السوق في عملية التنمية

وسنتناول بالتحليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية لكل من هاتين المجموعتين.

 

أولاً: الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتحرير السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية

 

تتصف اقتصادات البلدان النامية في مجملها بأن بنيتها تفتقر إلى التنوع والتوازن لاعتمادها على قطاع واحد أو قطاعين هما غالباً القطاع الزراعي والقطاع المنجمي. وبالإضافة إلى هذين القطاعين تقوم صناعات تحويلية ذات فروع محدودة تقليدية وتقانات متخلفة وإنتاجية منخفضة وتكاليف مرتفعة وجودة متدنية في الغالب، وذلك بسبب تمتعها بحماية مفرطة لعقود عديدة لم تحفزها على تطوير إمكاناتها لمواجهة منافسة خارجية. ويتواجد إلى جانب الصناعات التحويلية أنماط إنتاج غير رأسمالية على نطاق واسع. وليس حال البنى الإرتكازية في معظم اقتصادات البلدان النامية بأفضل من حال الصناعة التحويلية، حيث تعاني من القصور وانخفاض المستوى وضعف الكفاءة. وبالرغم من وجود إمكانات سياحية متعددة وجيدة فإن مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي لمعظم البلدان النامية ما زالت منخفضة بسبب ضعف مرافق القطاع السياحي وغياب الاستقرار والأمن في الداخل فضلاً عن النزاعات الخارجية.

 

كما تتسم البلدان النامية بخصائص سكانية مشتركة تتجلى في ارتفاع معدل النمو السكاني جراء ارتفاع معدل الخصوبة وتحسن الظروف الصحية، وبنية سكانية فتية، ومعدل إعالة مرتفع، وارتفاع متوسط عدد أفراد الأسرة، وانخفاض متوسط العمر المتوقع بالمقارنة مع الدول الأخرى، وضآلة نسبة القوى العاملة من السكان، وانخفاض إنتاجية العمل، وانتشار عمل الأطفال على نطاق واسع، فضلاً عن ارتفاع نسبة الأمية بين السكان.

 

وتشكل السلع الزراعية والمواد الأولية الجزء الأعظم لصادرات غالبية البلدان النامية التي تتجه أسعارها نحو الانخفاض بالمقارنة مع أسعار المنتجات الصناعية، ما يؤكد أن حدي التجارة الخارجية يعمل في غير صالحها. وبالنظر لانخفاض جودة السلع الصناعية في البلدان النامية وارتفاع أسعارها، فإن صادراتها من السلع المصنعة تشكل نسبة ضئيلة جداً من مجمل صادراتها. في حين تحتل الواردات من السلع المصنعة موقعاً هاماً في تركيب واردات البلدان النامية. ويعاني الميزان التجاري لمعظم البلدان النامية من عجز متواصل بسبب ازدياد وارداتها بمعدلات تفوق معدلات تزايد صادراتها من ناحية، وبفعل تأثير حدي التجارة غير المؤاتي.

 

وبالرغم من توفر المواد الأولية وانخفاض مستوى الأجور، فإن نصيب البلدان النامية من الاستثمارات الخارجية يشكل نسبة ضئيلة من مجمل الاستثمارات الخارجية في العالم. ويعود ذلك لعدم توفر الشروط الضرورية المحفزة للاستثمارات الخارجية. وتتركز حصة البلدان النامية من الاستثمارات الأجنبية في عدد محدود من البلدان. وقد تراكمت الديون الخارجية على البلدان النامية إلى الحد الذي أخذت تبتلع معظم الناتج المحلي الإجمالي لغالبية الدول النامية، ما دفعها إلى طلب إلغاء الديون وإعادة جدولتها.

 

في ضوء هذه الإشكاليات البنيوية المعقدة لاقتصادياتها، هل تقوى البلدان النامية على مواجهة رياح العولمة الاقتصادية العاتية، وهل بمقدور البلدان النامية الاستفادة من الفرص التي يدعي مروجوها أنها متاحة للبلدان النامية؟

 

من غير المتوقع أن تتمكن اقتصاديات البلدان النامية في ضوء أوضاعها من الاستفادة من الفرص المحتملة، في حين من المؤكد أن تلحق المخاطر المتولدة عن رياح العولمة أضراراً بالغة في اقتصادياتها. فتحرير التجارة سوف يؤدي إلى تدفق السلع والخدمات باتجاه واحد وليس باتجاهين، أي من الخارج إلى الداخل وليس العكس. فالمواد الأولية تتحكم بأسعارها الاحتكارات الدولية، ومن المستبعد أن يكون لتحرير التجارة آثار إيجابية على اقتصاديات البلدان النامية. كما أن الفرص المتاحة أمام السلع المصنعة في البلدان النامية لاختراق الأسواق العالمية محدودة للغاية، نظراً لارتفاع أسعارها وتدني مستوى جودتها. وليست الفرص المتاحة أمام السلع الزراعية لدخول الأسواق العالمية بأفضل من فرص السلع المصنعة. إذ أن انخفاض المردود والمواصفات، وعدم الاهتمام بالفرز والتوضيب، والافتقار إلى شبكات تسويق ونقل تتمتع بالكفاءة والانتشار الواسع، بالإضافة إلى الشروط القاسية التي تضعها الدول الأجنبية بذريعة العوامل الصحية والبيئية، تجعل إمكانية دخول السلع الزراعية للبلدان النامية إلى الأسواق الخارجية محدودة للغاية.

 

كذلك من المستبعد أن يؤدي تحرير حركة رؤوس الأموال إلى زيادة تدفق الاستثمارات الخارجية إلى البلدان النامية، نظراً لعدم توفر المتطلبات الضرورية لوجود مناخ استثمار محفز. إذ أن فقدان الاستقرار السياسي والأمن، وغياب الشفافية وسيادة القانون واستقلالية القضاء وكفاءته، وتفشي الرشوة والفساد، واستفحال البيروقراطية، وضعف كفاءة الأجهزة التنفيذية، وانخفاض إنتاجية العمل، وضيق السوق الداخلية بسبب تدني القدرة الشرائية، وضعف البنى الإرتكازية، وعدم كفاية المناطق الصناعية المزودة بالخدمات الضرورية، لا يشجع الاستثمارات الخارجية على القدوم إلى البلدان النامية. ولعل ما يعزز هذا الاستنتاج أنه بالرغم من سخاء الإعفاءات والامتيازات التي تضمنتها قوانين تشجيع الاستثمار في البلدان النامية، فإن حصتها من الاستثمارات الأجنبية ما زالت ضئيلة للغاية.

 

إذا كانت استفادة البلدان النامية من الفرص المحتملة لتحرير تجارة السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال غير مؤكدة، فإن الأضرار الناجمة عنها بالغة الخطورة. إذ أن إزالة القيود المفروضة على الواردات من السلع الزراعية الأجنبية سيعرض السلع الزراعية للبلدان النامية إلى منافسة غير متكافئة، وسيقود إلى خروج غالبية المنتجين من الأسواق المحلية، وتوقف العديد من المشاريع الزراعية عن الإنتاج، وتفاقم البطالة في الريف، وتزايد الهجرة من الريف إلى مراكز الحضر والمدن، واستفحال اعتماد البلدان النامية في تأمين غذائها على الخارج، وبالتالي تهديد أمنها الغذائي. كما أن فتح أسواق البلدان النامية أمام تدفق السلع الأجنبية المصنعة سيفضي إلى تدمير أنماط الإنتاج غير الرأسمالي في البلدان النامية، والقضاء على معظم الصناعات الوطنية القائمة، وتبديد الاستثمارات التي وظفت فيها، وتسريح العاملين في منشآتها، وتفكيك الارتباطات الأمامية والخلفية بين القطاع الصناعي والقطاعات الاقتصادية الأخرى، والحؤول دون تحقيق تصنيع ذاتي مستدام في البلدان النامية.

 

ولا تقل الأضرار التي يلحقها تحرير الأسواق المالية في البلدان النامية خطورة عن تلك الناجمة عن تحرير السلع الزراعية والصناعية على اقتصاداتها. فتحرير الأسواق المالية يتطلب من البلدان النامية اتخاذ مجموعة من الخطوات الجوهرية من أهمها:

-السماح للمصارف وشركات التأمين والبيوتات المالية والمؤسسات المالية الأخرى بالعمل في أسواقها.

-إقامة أسواق للعملة والأوراق المالية (سندات، أسهم...)، والسماح للمستثمرين الأجانب بالتعامل معها بحرية.

-إزالة القيود النقدية على المدفوعات الخارجية الجارية.

-حرية تحويل عملاتها المحلية إلى عملات أجنبية رئيسية قابلة للتحويل.

 

ومن شأن هذه الخطوات أن تعرض المصارف وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى لدى البلدان النامية إلى منافسة غير متكافئة، وتساعد المصارف وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأجنبية على ابتلاعها والتحكم في اتجاهات الادخار والاستثمار في البلدان النامية. كما من شأنها أن تفسح المجال لمضاربات المتاجرة بالعملات الوطنية والأسهم والسندات ما يهدد استقرارها، ويعرض البلدان النامية لأزمات مالية تزعزع اقتصاداتها، فضلا عن توفير القنوات لنزوح رؤوس الأموال الوطنية. ولعل ما حدث في أزمة المكسيك في نهاية عام 1994 وأوائل عام 1995، وفي الأزمات المالية التي عانتها ماليزيا واندونيسيا وتايلند وتايوان وكوريا الجنوبية منذ صيف 1997، ما يؤكد هذا الاستنتاج.

 

ثانيا- دور الدولة والقطاع الخاص وآليات السوق في عملية التنمية

 

لعبت الدولة في البلدان النامية خلال عقدي الخمسينيات والستينيات دورا بالغ الأهمية في عملية التنمية تجلى في تدخلها في الاقتصاد والمجتمع، وإعداد خطط خمسية طموحة للتنمية، وفرض سياج جمركي لحماية صناعتها الناشئة، وإقامة مشاريع البنية الارتكازية، وإعادة توزيع الدخل، وإجراء تحولات جذرية في هيكل الإنتاج المحلي وفي العلاقات الاجتماعية، وتدعيم عملية التصنيع.

 

وحظي هذا الاتجاه برعاية وتشجيع المراكز الرأسمالية المتقدمة، ومنظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، بالإضافة إلى المؤسسات التمويلية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتلقت الدولة في البلدان النامية آنذاك مختلف أشكال الدعم الفني، ومنحت لها القروض والهبات بسخاء من تلك المراكز والمنظمات والمؤسسات للقيام بدورها في عملية التنمية.

 

وتمكنت الدولة في عدد من البلدان النامية في آسيا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا من الاضطلاع بمسؤولياتها بنجاح، وفي إحراز إنجازات ملحوظة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية. في حين فشلت الدولة في عدد من البلدان النامية الأخرى في القيام بمهامها التنموية بسبب طبيعة النظام السياسي السائد في تلك البلدان، وخصائص النخب الاجتماعية والسياسية المتحكمة، ونوعية ارتباطاتها مع المراكز الرأسمالية المتقدمة.

 

ويستشهد دعاة العولمة بالبلدان النامية التي فشلت فيها الدولة بالاضطلاع في دورها التنموي بنجاح، للاستنتاج بإن تدخل مطلق دولة في النشاط الاقتصادي يعرقل عملية التنمية، وأنه يتوجب إزاحة قبضة الدولة عن الاقتصاد الوطني واستقالتها من وظيفتها الاقتصادية، وأن مسؤولية التنمية يتعين تركها للقطاع الخاص المحلي والأجنبي.

 

ويتناسى هؤلاء الدعاة أن الدولة في اليابان قد لعبت دورا هاما في قيادة الاقتصاد الياباني غداة الحرب العالمية الثانية، وأن الدولة في بلدان جنوب شرق آسيا لعبت دورا إيجابيا ونشطا في تدعيم عملية التصنيع، وأن المصرف الفدرالي الأميركي، قد تدخل بفعالية في أواخر تشرين الأول عام 1987 للحؤول دون انهيار القطاع المصرفي الأميركي، وأن وزارة المالية اليابانية والمصرف المركزي الياباني قد قدما الدعم للمؤسسات المالية المنهارة لتمكينها من سداد التزاماتها المحلية والأجنبية، وأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا تتدخل على أعلى المستويات لتسويق إنتاج شركات الأسلحة لديها.

 

وإذا كان تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في المراكز الرأسمالية المتقدمة على هذا القدر من الأهمية، فإن حاجة البلدان النامية لتدخل الدولة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية أشد إلحاحا. فالقطاع الخاص في معظم الدول النامية ليس على قدر من القوة والاتساع ما يسمح له بالاضطلاع بمسؤولية التنمية لوحده. والهياكل الإنتاجية على درجة من الاختلال والتشوه ما يتعذر على القطاع الخاص القيام بتصحيحها، ويستدعي تدخل الدولة لتحقيق ذلك. وحاجة البلدان النامية إلى إقامة مشاريع ذات منفعة عامة وطويلة المردود وضعيفة الربحية لا تجتذب القطاع الخاص، يفرض على الدولة القيام بذلك. وإدارة العلاقات الاقتصادية الخارجية، ومواجهة المستجدات والتغيرات الاقتصادية والأزمات المفاجئة على الساحة الدولية، تتطلب دورا نشطا للدولة. هذا بالإضافة إلى المهام التي يتعين على الدولة تحقيقها لتأمين احتياجات المواطنين الأساسية من تعليم وصحة وخدمات جماعية واجتماعية وفرص عمل، ولضمان العدالة في توزيع ثمار التنمية من خلال السياسات المالية والضريبية، ولتوفير الاستقرار الاجتماعي.

 

وأدت هذه الضرورات إلى قيام قطاع عام في البلدان النامية يتفاوت حجمه من بلد إلى آخر تبعا للأوضاع الداخلية وللظروف الخارجية لكل بلد. كما تتفاوت درجة نجاحه أو إخفاقه تبعا للسياسات التي انتهجتها الحكومات، وللحيز المتاح للمواطنين لممارسة الرقابة الشعبية وتسليط الضوء على الممارسات الخاطئة واستغلال النفوذ. وبدلا من تصويب مسيرة القطاع العام في البلدان النامية التي تعاني فيها من إخفاقات، تدعو نخب العولمة إلى تصفية القطاع العام وخصخصته.

 

والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: لمصلحة من ستجري خصخصة القطاع العام؟ في ضوء محدودية إمكانيات القطاع الخاص المحلي، وتوفر فرص عديدة أمامه للاستثمار في مشاريع جديدة قد تكون أكثر ربحية، فمن المشكوك فيه أن يعمد القطاع الخاص إلى شراء منشآت القطاع العام على نطاق واسع. ولعل الاحتمال الأرجح أن تبادر الشركات المتعدية الجنسية إلى شراء الأصول الإنتاجية للقطاع العام، وبالتالي تحويل الفائض الاقتصادي المتولد عنها إلى الخارج وإعاقة عملية التراكم في الاقتصاد الوطني. وفي كل الأحوال سيترتب على خصخصة منشآت القطاع العام تسريح القسم الأعظم من العاملين فيها، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم البطالة وتدهور مستوى المعيشة لفئات واسعة من السكان. ولن تُجدِ الصناديق الاجتماعية كثيرا في معالجة هذه المشكلة نظرا لضخامتها من ناحية ولضآلة الموارد المالية المتاحة للصناديق من ناحية أخرى.

 

ومن المؤكد أن الاضطلاع بمسؤولية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية يتطلب تضافر جهود الدولة إلى جانب القطاع الخاص. فالتحديات صعبة وخطيرة، والمهام المطلوب إنجازها معقدة وشائكة، ما يفرض ضرورة التوصل إلى صيغة فعالة ومثمرة من التعاون والتكامل بين القطاع الخاص والدولة.

 

كما يستدعي الأمر تحقيق تناغم بين دور الدولة ودور آليات السوق في توجيه النشاط الاقتصادي. ومع الإقرار بضرورة عدم إغفال آليات السوق لما توفره من وسائل تساعد على اتخاذ قرارات اقتصادية تتعلق بالاستهلاك والإنتاج، فإنه من الخطأ الركون المطلق إلى آليات السوق بالنسبة للبلدان النامية نظرا لما يعتور الأسواق فيها من قصور. فالهياكل الاقتصادية في معظم البلدان النامية لم تبلغ مرحلة النضج، وأسواقها مجزأة وغير مكتملة، وهي أقرب ما تكون إلى أشباه السوق، ما يجعل أداءها ليس على مستوى كفاءة أسواق البلدان الرأسمالية المتقدمة. وتتجلى خطورة الاعتماد المطلق على آليات السوق في عجزها عن اتخاذ قرارات رشيدة بشأن قضايا استراتيجية مستقبلية تتعلق بالادخار والاستثمار وصيانة الثروات الطبيعية والحفاظ على البيئة واستراتيجيات التصدير والتطوير التكنولوجي. لأن اتخاذ قرارات بشأن قضايا استراتيجية مستقبلية يتطب وجود أسواق مستقبلية غير قائمة، وإن هذه القضايا تتعلق بخيارات يتوجب على الدولة الموازنة بينها في ضوء التصور العام لمستقبل الاقتصاد والمجتمع.

 

نخلص مما تقدم أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة لغالبية البلدان النامية غير مهيأة للتعامل مع أجندة العولمة كما يدعو بها غلاتها، وأن دفع البلدان النامية إلى إزالة جميع القيود المفروضة على حركة السلع والخدمات ورؤوس الموال والتحول لاقتصاد السوق قسرا قبل توفر الهياكل والمقومات الضرورية سيفضي إلى انكشاف اقتصااتها واستباحة مواردها فضلا عن النتائج الخطيرة على صعيد مجتمعاتها.

 

خاتمة

العولمة باعتبارها ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم في مجالات التجارة والمعلومات والأفكار والقيم والعادات، هي ظاهرة قديمة. ودخلت العولمة منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي مرحلة جديدة جراء تفاقم أزمة النظام الرأسمالي، عكست طورا جديدا من تطور الرأسمالية العالمية تجلى في الانتقال من دائرة عالمية التبادل والتوزيع والتدول إلى دائرة عالمية الإنتاج وإعادة الإنتاج.

 

ويقود هذا التحول الشركات الدولية المتعدية الجنسية لإيجاد منافذ إضافية لتوظيف فائض الأموال العائمة المستخرجة من الاستغلال الرأسمالي في مجالات مربحة لتوسيع القدرات الإنتاجية، وذلك عن طريق تجزئة العمليات الإنتاجية وتوزعها في أماكن متفرقة ومتباعدة من العالم. ويتطلب إنجاز هذا التحول إزالة جميع القيود المفروضة على حركة السلع والخدمات ورؤوس الموال، وإطلاق العنان لقوى السوق، وإناطة مسؤولية التنمية بالقطاع الخاص، وخروج الدولة من النشاط الاقتصادي.

 

وتسارعت خطوات العولمة خلال العقود الثلاثة الأخيرة جراء التقدم التقاني الحاصل في مجال نقل المعلومات والاتصالات. وتعمل المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة الدولية) يالإضافة إلى المراكز الرأسمالية المتقدمة، على دفع البلدان النامية باتجاه تحرير التجارة والأسواق المالية والتحول لاقتصاد السوق قسرا دون أن يتوفر لديها المقومات الأساسية اللازمة، الأمر الذي سيلحق أضرارا بالغة باقتصاداتها.

 

فالعولمة ليست توسيع الاعتماد المتبادل بين دول العالم، وإنما هي تعميق تبعية اقتصادات البلدان النامية لاقتصادات المراكز الرأسمالية المتقدمة، والاندماج غير المتكافئ لاقتصاداتها بالنظام الرأسمالي العالمي الذي تنفرد الولايات المتحدة الأميركية بقيادته خدمة لمصالحها.

 

وخلافا لما يروج له دعاة العولمة، ما زالت ظاهرة العولمة محدودة الانتشار، وما زال بالإمكان مواجهة رياحها عن طريق اعتماد البلدان النامية لإستراتيجيات طويلة الأجل تهدف إلى معالجة مواطن الخلل في اقتصاداتها، وتعبئة مواردها الذاتية المادية والبشرية، وانتهاج سياسات اقتصادية محفزة للنمو، وتسريع قيام تكامل بين اقتصاداتها على أساس إقليمي كالسوق العربية المشتركة بالنسبة للبلدان العربية.



[1]  الدكتور جلال أمين، العولمة والدولة، مجلة المستقبل العربي، العدد 228، 2/1998

[2] بول هيرست، جراهام طومبسون، ما العولمة؟ ترجمة د. فالح عبد الجبار، عالم المعرفة، الكويت، ص 11

[3] السيد يسين، في مفهوم العولمة، مجلة المستقبل العربي، العدد 228، 3/1998، ص 10

[4] الدكتور جلال أمين، العولمة والدولة، مرجع سابق، ص 23

[5] المرجع السابق، ص 23-30

[6] بول هيرست، جراهام طومبسون، ما العولمة؟ مرجع سابق، ص 15-16.

[7] السيد يسين، في مفهوم العولمة، مرجع سابق، ص 6

[8] المرجع السابق، ص 6

[9] المرجع السابق، ص 7

[10] المرجع السابق، ص 7

[11] المرجع السابق، ص 9

[12] الدكتور محمد الأطرش، العرب والعولمة: ما العمل؟ مجلّة المستقبل العربي، العدد 229، 3/1998

[13] الدكتور اسماعيل صبري عبدالله، الكوكبة- الرّأسماليّة العالمية في مرحلة ما بعد الامبرياليّة، مجلّة الطريق العدد الرابع 1997، نقلاً عن د. منير الحمش، العولمة ليست الخيار الوحيد، دار الأهالي 1998 ص 21-26.

[14] الدكتور جلال صادق العظم، ما هي العولمة؟ مجلة الطريق العدد الرابع 1997، نقلا عن د. منير الحمش، العولمة ليست الخيار الوحيد، دار الأهالي 1998، ص 34-38.

[15] الدكتور سمير أمين، في مواجهة أزمة عصرنا، سينا للنشر مؤسسة الانتشار العربي، 1997، نقلا عن د. منير الحمش، العولمة ليست الخيار الوحيد، مرجع سابق، ص 39-40.

[16] الدكتور عبدالله بلقزيز، العولمة والهوية الثقافية: عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة؟ مجلة المستقبل العربي، العدد 229  3/1998، ص 99

[17] المرجع السابق، ص98

[18] المرجع السابق، ص98

[19] المرجع السابق، ص 95

[20] المرجع السابق ص 95

[21] المرجع السابق ص 97

[22] الدكتور محمد عابد الجابري  العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات، مجلة المستقبل العربي العدد 228  2/1998، ص 14-22.

 

د. عبد القادر نيال