الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة

زمن الصوم

أحد الإبن الشاطر
(15 آذار 2020)

::: مـدخــل :::

• في هذا الأحد تضع أمنا الكنيسة المقدسة نصوصًا تدعونا إلى تجديد ذواتنا بالربّ ومع الربّ.
• في رسالة اليوم، يدعونا مار بولس إلى عيش روح التمييز الدّائم وإمتحان رسوخنا في الإيمان على ضوء نور المسيح أي أقواله وتعاليمه وتعاليم كنيسته.
• نتأمّل في إنجيل اليوم في مَأساتُنَا مَعَ الله إذ نَسعَى إلى المَال ونُؤَلِّهُهُ في كَثيرٍ مِن الأحيان فيما الله يَسعَى في إثرِنَا لِيُعطِنا ذاتَهُ! فَمَتَى نرجع؟
• التوبة هي باب الحياة الحقيقيّة مع الله... أمّا المفتاح فهو قرارنا وإرادتنا بالعودة إليه!  

::: صـلاة :::

أيّها الإبن السّماويّ، أعطنا اليوم قلبًا جديدًا يغفر للخاطئ ويقبل توبة المرتدّ، كما نرجوك أن تقبل توبتنا كلّما عدنا إلى أحضان الثالوث الاقدس، نبع الغفران، الّذي يغفر كالأم ويرفق كالأب، فيتمجّد بنا إسمك القدّوس مع إسم أبيك وروحك القدّوس، إلى الأبد، آمين. 

::: الرسالة :::

5 إِخْتَبِرُوا أَنْفُسَكُم، هَلْ أَنْتُم رَاسِخُونَ في الإِيْمَان. إِمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُم. أَلا تَعْرِفُونَ أَنَّ الـمَسِيحَ يَسُوعَ فِيكُم؟ إِلاَّ إِذَا كُنْتُم مَرْفُوضِين!
6 فأَرْجُو أَنْ تَعْرِفُوا أَنَّنا نَحْنُ لَسْنا مَرْفُوضِين!
7 ونُصَلِّي إِلى اللهِ كَيْ لا تَفْعَلُوا أَيَّ شَرّ، لا لِنَظْهَرَ نَحْنُ مَقْبُولِين، بَلْ لِكَي تَفْعَلُوا أَنْتُمُ الـخَيْر، ونَكُونَ نَحْنُ كَأَنَّنا مَرْفُوضُون!
8 فَإِنَّنا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ شَيْئًا ضِدَّ الـحَقّ، بَلْ لأَجْلِ الـحَقّ!
9 أَجَلْ، إِنَّنا نَفْرَحُ عِنْدَما نَكُونُ نَحْنُ ضُعَفَاء، وتَكُونُونَ أَنْتُم أَقْوِيَاء. مِنْ أَجْلِ هـذَا أَيْضًا نُصَلِّي لِكَي تَكُونُوا كَامِلِين.
10 أَكْتُبُ هـذَا وأَنا غَائِب، لِئَلاَّ أُعَامِلَكُم بِقَسَاوَةٍ وأَنا حَاضِر، بِالسُّلْطَانِ الَّذي أَعْطَانِي إِيَّاهُ الرَّبّ، لِبُنْيَانِكُم لا لِهَدْمِكُم.
11 وبَعْدُ، أَيُّهَا الإِخْوَة، إِفْرَحُوا، وَإسْعَوا إِلى الكَمَال، وتَشَجَّعُوا، وكُونُوا عَلى رَأْيٍ وَاحِد، وعِيشُوا في سَلام، وإِلـهُ الـمَحَبَّةِ والسَّلامِ يَكُونُ مَعَكُم!
12 سَلِّمُوا بَعْضُكُم عَلى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَة. جَمِيعُ القِدِّيسِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُم.
13 نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيح، ومَحَبَّةُ الله، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ مَعَكُم أَجْمَعِين!

(الرّسالة الثانية إلى أهل قورنتوس – الفصل 13 - الآيات 5 إلى 13) 

::: تأمّـل من وحي الرسالة :::

في رسالة اليوم، يدعونا مار بولس إلى عيش روح التمييز الدّائم وإمتحان رسوخنا في الإيمان على ضوء نور المسيح أي أقواله وتعاليمه وتعاليم كنيسته.
فوجود الربّ يسوع فينا يغيّرنا كي نتحوّل روحيًّا فتتجلّى فينا صورته أكثر حين نحيا على مثاله فيتجلّى فينا الفرح والسّلام وفق ما أوصى الرّسول قائلاً: "إِفْرَحُوا، وَاسْعَوا إِلى الكَمَال، وتَشَجَّعُوا، وكُونُوا عَلى رَأْيٍ وَاحِد، وعِيشُوا في سَلام، وإِلـهُ الـمَحَبَّةِ والسَّلامِ يَكُونُ مَعَكُم!"!
فهل نقوم بفحص الضمير هذا دوريًّا كي تبقى قلوبنا مستعدّةً على الدوام لسكنى الربّ فيها؟! 

::: الإنجيل :::

11 وَقَالَ يَسُوع: "كانَ لِرَجُلٍ إبْنَان.
12 فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ الـمِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ.
13 وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الإبْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَّيْش.
14 وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز.
15 فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الـخَنَازِير.
16 وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الـخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الـخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد.
17 فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الـخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا هـهُنَا أَهْلِكُ جُوعًا!
18 أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ.
19 وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ إبْنًا. فَإجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ!
20 فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً.
21 فَقالَ لَهُ إبْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ إبْنًا...
22 فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الـحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، وإجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء،
23 وَأْتُوا بِالعِجْلِ الـمُسَمَّنِ وإذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ!
24 لأَنَّ إبْنِيَ هـذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون.
25 وكانَ إبْنُهُ الأَكْبَرُ في الـحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ وإقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا.
26 فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هـذَا؟
27 فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ الـمُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا.
28 فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه.
29 فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ هـذِهِ السِّنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي.
30 ولـكِنْ لَمَّا جَاءَ إبْنُكَ هـذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ الـمُسَمَّن!
31 فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ.
32 ولـكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هـذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد".

(إنجيل القدّيس لوقا – الفصل 15- الآيات 11 إلى 32) 

::: تـــأمّل من وحي الإنجيل :::

لِنَقرَأ هذه الآيات من سفر أشعيا:
"الّذينَ صَنَعوا التَّماثيلَ كُلُّهُم باطِلٌ، وما يبتَهِجونَ بهِ لا خَيرَ فيهِ. وهم شُهودٌ علَيها بأنَّها لا ترى ولا تعرِفُ، فيا لخِزيِهِم! فَمَنْ يَسبُكُ تِمثالا في صُورةِ إلهٍ لا خَيرَ مِنْ عِبادتِهِ؟ ومَنْ يَعبُدُهُ ألا يَخزَى؟ والّذينَ يصنَعونَهُ بشَرٌ؟ فلْيَجتَمِعوا كُلُّهُم ويَحضَروا للقضاءِ، فيَنزِلَ بهِمِ الرُّعبُ والخِزيُ معًا." (أشعيا 44: 9-11).
يَتَكَلَّمُ الله على لسان أشعيا النبي عَن عِبادَة الأصنام وصانِعِيها، وَيُبَيِّن كَم هِيَ خَطيئَةٌ عَظيمَةٌ تُبعِدُ الإنسانَ عَن الله وَتَقتُلُ في الإنسان الحَقّ، فَيَرَى الخَير حَيثُ لا خَير، وَيَبتَعِد عَن إلههِ الحَقيقي مَصدَر الخَير! يُكمِل أشعيا وَيَقول:
"هؤلاءِ لا يَعلَمونَ ولا يَفهَمونَ، لأنَّ اللهَ أغلَقَ عُيونَهُم لِئلاَّ يُبصِروا وقُلوبَهُم لِئلاَّ يَفهَموا. لا أحدَ مِنهُم يتأمَّلُ في قلبِهِ، فيقولُ عَنْ عِلْمٍ وفَهْمٍ: "أحرَقتُ نِصفَ الخشَبِ بالنَّارِ وخَبَزتُ خُبزا على جَمْرِهِ وشَوَيتُ لَحما وأكَلتُ، والآنَ أأصنَعُ مِنْ بَقيَّتِهِ وثَنا؟ فكَيفَ أسجُدُ لجِذْعِ شجَرةٍ؟" خيرٌ لَه أنْ يَقتاتَ رمادًا. ضَلَّلَهُ قلبُهُ المَغرورُ، فلا يُنقِذُ نفْسَهُ ولا يقولُ: "هذا إلهٌ كاذِبٌ، أمَا صَنَعتُهُ أنا بـيَميني؟". وقالَ الرّبُّ: "أُذكُرْ هذا يا يَعقوبُ، يا إِسرائيلُ عبدي: أنا جبَلتُكَ عبدًا لي ولن أنساكَ أبدًا. مَحَوتُ كالسَّحابِ مَعاصيَكَ، وكالغَمامِ جميعَ خطاياكَ. إرجِـعْ إليَّ يا إِسرائيلُ، فأنا الرّبُّ إ‏فتَدَيتُكَ" (أشعيا 44: 18-22).
هذه هِيَ تَمامًا مَأساة الإبن الأصغَر مَعَ أَبيه: الميراث الّذي طَالَبَهُ بِهِ هُوَ فَضلَة الثَّروَة التي أَكَلَ مِنها مُنذُ طُفولَتِهِ، فَكَمَا يَأخُذُ صانِع الصَّنَم فَضلَةَ الخَشَب لِيَصْنَعَ مِنْهَا إلهًا وَيَسْجُد لَهُ، كَذَلِكَ الإبن الأصغَر: أَخَذَ ميرَاثَ أبيه وَعَبَدَهُ، وَإبْتَعَدَ عَن بَيْتِهِ الوَالِدِيّ لِيَعْبُدَ مَالَهُ بالفُجور... وَبَعْدَمَا وَجَدَ أنَّ إلهه (حِصَّتهُ من الميراث) لَم يَعُد يُطعِمهُ، إشتَهَى فَضَلات المَوائِد التي في بَيت أبيه! وَعِنْدَمَا عاد، طَلَبَ مِن أبيهِ أَن يَكونَ أجيرًا يَحيَا مِمَّا فَضُلَ في جَيْبِه!
أَمامَ هذه المَأسَاة المُؤلِمَة، يُذَكّر الله الإنسان: أنا صَنَعْتُكَ، وَصَنَعتُ كُلَّ مَا في يَدَيْك! فَلِمَاذا تَصْنَعُ مِمَّا في يَدَيكَ إلهًا لِتَعبُدَهُ؟!
أمامَ هذه المَأساة المُؤلِمَة، يَبتَعِد الإنسان عَن جابِلِهِ، وَجابِلُهُ يُنادِيهِ لِيَعود، لأَنَّهُ مَحَى كُلّ خَطَاياه كما تمحو الغمامَةُ الأُفُق...
نفس المَأساة تَتَكَرَّر في مَثَل الإبن الضّال على لِسَانِ يَسوع: الإبن في بيت الأب هُوَ المَالِك لِكُلّ ذلِكَ المَال، وَهوَ يُصِرُّ على عِبَادَةِ جِزءٍ منهُ وَالإبتِعاد عَن أبيه! الإبن يُصِرّ على أَن يَملِك الجِزء كالأجير، وَالأبُ يُصِرُّ على إعطائِهِ كُلَّ شَيء لِيَعودَ إلَيْهِ إبنًا حَبيبًا...
هذه هِيَ مَأساتُنَا مَعَ الله! نَسعَى نَحوَ المَال، نُؤَلِّهُهُ في كَثيرٍ مِن الأحيان، وَهوَ يَسعَى في إثرِنَا لِيُعطِنا ذاتَهُ! فَمَتَى نَرجِع؟... 

::: قراءة آبائية  :::

تَعالَ أَيُّها المُتَأَلِّم وَالثَّقيل الحِمل وَأَنَا أُريحُكَ. إنِّي أَغفِر لَكَ خَطَاياكَ السَّالِفَة، وَأَرفَعُ البُرقُعَ الّذي يُغَشِّي عَيْنَيْك، وَأَشْفِي مِنْكَبَيْكَ المُتعَبَين.
سَأَرْفَعُ عَنْكَ الأَحمَالَ حَقًّا، إنَّما لَنْ أَتْرُكَكَ بِدُوْنِ حِمل! سَوْفَ أَرْفَعُ عَنْكَ الأحمَالَ الشّرّيرَة وَأَضَعُ عَلَيْكَ الأَحمَالَ المُفيدَة. الشَّهوَة كَدَنَتْكَ تحتَ نِيْرِهَا الشِّرّير، أَمَّا المَحَبَّة فَسَوْفَ تَضَعُكَ تحتَ نِيْرِهَا الخَلاصِي.
وَلِمَ تَتَرَدَّد في قُبولِ حِمْلِي؟! هَل التَّواضُع وَالتَّقوَى هُمَا حِمْلٌ ثَقيلٌ عَلَيك؟ هَل الإيمان وَالرَّجَاء وَالمَحَبَّة هِيَ أَحمالٌ لا تُطَاق، لِكَوْنِهَا تَجْعَل الإنسَانَ وَدِيعًا وَمُتَوَاضِعًا؟!
أُنْظُر! إن أَصغَيْتَ إلَيّ فَلَن يَثْقُلَ عَلَيْكَ الحِمل "لأَنَّ نيري طَيّب وَحِملي خَفيف" (متى 11: 19)

(قراءة من القديس أغوسطينوس- خواطر فيلسوف في الحياة الروحية - الكتاب الثالث- الفصل الخامس عشر) 

::: تــــأمّـل روحي :::

عودة

لمّا كانت كلّ أفكار العالم تملأ قلبه وعقله لم يكن هناك من متنفّسٍ لسماع نبضاتِ قلبٍ أحبّه حتّى الثمالة، تلك النبضات المخنوقة، لم تمت لكنّها بقيت تتألّم بصمت. صمت إحترام حريّة الأب لإرادة إبنه الّذي فقد البصيرة عندما غرّه البصر وفقد الحكمة والتمييز حين تحكّمت فيه ميوله القاسية وتوقه للتمايز عن الآخرين في المحيط الّذي ترعرع فيه. سافر وإبتعد وإنغمس في القيام بكلّ ما رغبت به نفسه منتقلاً من حريّته في كنف العائلة والحماية إلى التفلّت في الوحدة ولو تجمهر حوله أشخاصٍ أسمّيهم "مارّة"، لأنّه غنيّ. وفي لحظةٍ لم يتوقّعها حلّت الكارثة: جوعٌ، إفلاسٌ، عوزٌ حتى أنّه "تمنّى لو يستطيع أن يأكل من الخرّوب الّذي تأكله الخنازير.
ما كانت ضمانته؟ هل هو المال؟ المعارف والمصارف؟ ذكاءه، علمه، جماله، لباقته...؟
ربّما شعر بالطمأنينة لتجمهر الناس حوله، وإعتقد أن سعادته باتت في اليد ممسوكة، لكنّه لم يدرك أنها (الطمأنينة) أنّها تبقى عقيمة ولا تولّد أمنًا إن لم تنبع من الداخل، فهي لا تُشترى ولا تُباع لا بالمال ولا بالنفوذ.
لم ينتبه أن السعادة لا تُدرك بتحقيق الرغبات والميول الآنية التي تبدو للوهلة الأولى متوهّجة جذّابة وحين تصلها تجدها سرابًا في صحراء النفس.
لم يتنبّه أن كلّ ما يعتقده ضماناتٍ تزول قيمته أمام الذات التي تقف بصدقٍ في مرآة نفسها، حيث تتعرّى من كلّ ثوبٍ عدا صورة الله ومثاله اللذين، عليهما، خلقنا الله، ليبدأ الكشف الحقيقي عن الخبايا والزوايا فيها. لكن في لحظةٍ ما وهي أمام ذاتها والله وفي أمسّ الحاجة إلى خلاص، ستشعر بنبضات ذاك القلب الّذي أحبّها، وما زال، ستحاول سماعها بصعوبة، فالهوّة باتت كبيرة بينها وبين الأنا، لكن لا مفرّ: ما زال هناك نبض، يعني أمل، يعني حياة، يعني عودة إلى الضمانة الحقيقيّة: الثقة برحمة الأب.

هذا الإبن هو كلٌّنا. مَن مِنّا لا يتوه، يدخل في مفاضلات، "يحجب" بقصدٍ أو بغير قصد ثقته بالله لأسبابٍ عدّة (ظروف صعبة ماديّة، مرَضيّة، إجتماعية، وباء...).
اليوم نحن مدعوّين للإنصات إلى نبضات قلب الآب تلك النبضات التي لا تموت فينا بل تنتظر أن نعود ونحرّرها في داخلنا ليُلبِسنا كلّ ما فقدناه من شخصنا الحقيقي بعد أن يكون قد غسلنا من كلّ ما علق علينا من أدران: ثوبًا، حذاءً، وخاتم البنوّة والميراث. 

::: تـــــأمّـل وصلاة :::

ربّي وإلهي ... "يد الرّب مع مُحبّيه الّذين يغارون على قدسية أسمه، وهو يكون لهم عونًا" هذا ما نستنتجه من الأحداث التي كُتبت في الكتاب المُقدّس على مرّ السنين، فأنتَ أبٌ رحيم مُحبٌّ لأبنائه. وللأسف لم يفهم بنو إسرائيل في العهد القديم مقدار حبّك لهم فنرى أنهم عبدوا وسجدوا لآلهة غريبة وتركوك أنتَ الإله القدير لحين الوقوع في الأسر فنراهم يعودون إليكَ نادمين تائبين وأنت تعود لمعونتهم للتمكن من أعدائهم وفكّ أسرهم. كثيرون إلى اليوم لم يفهموا معنى "الأب"، ولم يعوا العلاقة الصحيحة بينك وبين الإنسان؛ كثيرون يعتقدون بأن الملكوت السماوي هو لهم فقط لأنهم لا يُخطـأون ناسين أن لا أحد صالح دون خطيئة سواك؛ كثيرون يُشكّكون بتوبة إنسانٍ خاطئ كان قد إبتعد عنك وأراد الرجوع لحضنك؛ كثيرون لم يتعلّموا كيف يمدّوا يد المعونة لإنسانٍ خاطئ ليبنوا بناءً مُقدّسًا لله وبالأحرى تعلّموا كيف يهدموا ويُزيدوا البيوت الخربة تكبّرًا على الإنسان الميت/الخاطئ الّذي أحببته وأردت له الخلاص أيضًا ليحيا معك. أبي السماوي ... أهي غيرة أو حسد أو حبّ الذات ما يجعل الإنسان قدّيسًا في عينيه ناظرًا الآخرين بنظرةٍ ليس بها محبة حقيقية لكَ ولهم؟ أبعدَ أن علّمنا الرّب يسوع المسيح أن ندعوكَ "أبانا" في صلاتنا ونُصلّي للجميع وكأننا جسدًا واحدًا أو أخوةً لأبٍ واحد هل مازلنا نجهل مَن تكون وما هي علاقتنا بالآخرين وكيفية التعامل معك ومعهم؟

ربّي وإلهي ... يُصلّي كثيرون قائلين: "يا ربّ القوات كُن معنا فليس لنا في الضيقات مُعينٌ سواك، يا ربّ القوات إرحمنا"، فيحلّ السلام بقلبهم بعد أن تجري دمعةً من عينهم مُردّدين: "إنّ الله معنا، فإعلموا أيها الأمم وإنهزموا لأنّ الله معنا"، فمحبّتك الرحيمة تهزم كلّ عدوٍّ يُحاول بالخطيئة أن يُبعدنا عنكَ لأن غفرانك بالمسيح يسوع هو أعظم علامة لمحبّتك لنا، واليدان اللتان إنفتحتا على الصليب ستبقى مفتوحة تنتظر أن نأتي إليها بدمعةٍ فتضمنا لصدرك الحنون. أنعم علينا بتوبةٍ تؤول لإكرامك محبّةً بك، ولك الشكر على الدوام، آمين. 

::: نـوايا وصلاة شكر للـقدّاس :::

نوايا للقدّاس

1- (المحتفل) نصلّي من أجلِ الكنيسةِ الّتي تنتظرُ أبناءَها لِيَعودوا إلى حِضنِها، ومن أجلِ المسؤولينَ فيها، وخاصَّةً مار فرنسيس بابا روما، ومار بينيديكتوس السادس عشر البابا الفخريّ، ومار بشارة بطرس بطرِيَركِنا الأنطاكيّ ومار جورج مُطراننا مع الأساقِفَة والكَهَنَة والمُكَرَّسينَ كَي يُعامِلوا بالرَحمةِ كلَّ تائبٍ، نسألك يا رب.
2- نصلّي من أجلِ كلِّ مَن يَعتقدُ أنَّ الحياةَ معك هيَ حزنٌ وقَمعٌ وألم، كي يَختبر الحُبَّ والفرحَ والسَّلام في أحضانِك، فلا يبتعِد عنك أبدًا، نسألك يا رب.
3- أعطنا أن نتشبَّهَ بكَ، فنَرحمَ الخاطئين، ونغفرَ للتائبين، ونسعى للمُصالحةِ مع بعضِنا البَعض، ساعينَ إلى الكمالِ بالمسيحِ يسوع، نسألك يا رب.
4- نضع أمامك مَرضى النفسِ والجسَد، أعطِهِم الأملَ بِغَدٍ أفضل، فيَنظروا إلى المُستَقبلِ بِعَينِ الشَّوقِ والرَّجاء، نسألك يا ربّ.
5- (المحتفل) إستَقبِل في أحضانِكَ السّماويَّةِ كلَّ الّذينَ إنتقلوا مِن هذه الحياة، لا تنظُر إلى آثامِهم، بل إلى رَحمتِك الّتي تَسترُ كلَّ إساءةٍ، غافِرًا لنا ولهم الخطايا والزلاّت.

 

صلاة شكر للقدّاس

نشكركَ يا أبانا، لأنَّك لَم تكتفِ بإنتظارِنا كَي نندَمَ ونَعودَ عَن خطيئتِنا،
بَل أرسَلتَ إبنكَ الوحيد مُتَجَسِّدًا، كَي يبحثَ عنّا ويُعيدَنا سالِمينَ إلى أحضانِك،
نشكرك على حبِّك الدّائمِ لنا،
نشكرك لأنّك دَومًا تدعونا لِنكونَ أنقياءَ بِلا لَوم،
نشكرك لأنَّك تدعَمُنا دَومًا بِجَسدِ المسيحِ ودمهِ الأقدسَين،
نشكركَ ونحمَدُكَ معَ إبنِكَ وروحِك القدّوس، من الآن وإلى الأبد، آمين. 

 

الأيقونة
من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة


المراجعة العامّة، الصلاة، المقدّمة وأفكار من الرّسالة

من إعداد
الخوري نسيم قسطون
nkastoun@idm.net.lb
https://www.facebook.com/pnassim.kastoun

 

قراءة آبائية وأفكار على ضوء الإنجيل 
الخوري يوحنا-فؤاد فهد
fouadfahed999@gmail.com
https://www.facebook.com/fouad.fahed.902?fref=ts

 

 تأمّل روحي

من إعداد

السيدة جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts

 

تأمّل وصلاة  - تدقيق

السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون
niran_iskandar@hotmail.com 

https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon?ref=ts&fref=ts

 

نوايا وصلاة شكر للقدّاس
من إعداد
السيدة مادلين ديب سعد

madeleinedib@hotmail.com

https://www.facebook.com/madeleine.d.saad?ref=ts&fref=ts