Organized and Typed by Webmaster ELIE

Back to Youhanna Baysari Books

Revd.Youhanna Habib el Baysari

Revd.Youhanna el Habib Baysari

من مؤلفات

الخوري يوحنا حبيب البيسري

لمحة من تاريخ سيدة الحبل بلا دنس
في رعية القبيات - الزوق
الطبعة الأولى 1992



 

 قبل المباشرة بسرد تاريخ كنيسة الحبل بلا دنس هذه، وددت أن القي نظرة قصيرة على منشأ طائفتنا المارونية، وكيفية انتشارها في الشرق، وما قاسته من كبت واضطهادات وتقتيل في تلك العصور، لأن شبابنا اليوم وشاباتنا، يتوقون إلى الوقوف على تاريخ أصلهم، وتسلسل آبائهم وأجدادهم مدى تلك الحقبات، تكريما" لهم، واقتداء" بهم.


الكنيسة في الشرق، ترتقي الى عهد القديس بطرس، هو الذي أسسها بنفسه في مدينة إنطاكية، عاصمة سوريا في ذلك العهد، في السنة الثامنة والثلاثين للمسيح، بعد صعوده تعالى الى السماء بخمس سنوات، ودبرها بنفسه مدة سبع سنوات ثم إنتقل الى الغرب، الى روما.


كان معظم الشعب في إنطاكية وجوارها يهوديا" ووثنيا"، وقد تنصّر على يد بطرس وبعض الرسل، منهم بولس، وبرنابا. في هذه الكنيسة تجمّع مؤمنون كثيرون. وهناك في إنطاكية سمّوا مسيحيين، ذلك سنة 43 للمسيح، بعد أن كانوا يسمّونهم بالناصريين والجليليين. لم يكونوا معروفين بإسم طائفة، بل كنائس وجماعات، منضمّة الى رأس واحد، هو بطرس.


كانت سلطات الكرسي الانطاكي الروحية تعمّ آسيا الصغرى والمشرق كله، شعبها يتميّز بتمسّكه بحقيقة إيمانه والثبات فيه منذ بدء كرازة بطرس حتى اليوم والى الأبد.


قبل انتشار رسل المسيح في تلك الأصقاع، كانت شعوبها ما بين وثنية ويهودية كما ذكرت سابقا". الوثنيون يؤلّهون المادة، واليهود يعبدون الله، لكن بالوسائل المادية، "كالمحرقات وذبح الحيوانات وغيرها" الى أن أتى الرسل وبشّروا بالدين الحقيقي والإيمان المستقيم الذي رسمه لهم السيد المسيح في انجيله الطاهر، فتبعهم خلق كثير من جميع الامم. كان الرسل والتلاميذ الذين يساعدونهم يتعرّضون للكثير من الاضطهادات والعذابات، كالجلد، والذبح، والحريق، فتحمّلوا كل ذلك بصبر، من اجل المسيح، والدفاع عن الإيمان الحقيقي.


مع اضطهاد الرسل، انتشرت بدع كثيرة في الأجيال الأولى للكنيسة في بقاع سوريا الشمالية والوسطى، وهي التشكيك بالعقائد الدينية الأساسية الصحيحة، "كالتثليث، والتجسّد بطبيعتين، وألوهية السيد المسيح".
أغلب هذه التنكرات بدأت في أواخر الجيل الثالث للمسيح، ومن اشد المشككين صلابة، هو المبتدع : آريوس، حوالي سنة 319 مسيحية، الذي ادّعى أن في المسيح الطبيعة البشرية فقط. فحرم مع بدعته سنة 325 للمسيح، في بلدة نيقيا حيث استوحى المجمع النيقاوي قانون الإيمان، المسمّى قانون نيقيا دفعا" لضلال آريوس.
ومنها بدعة نسطور، الذي أنكر فيها سر التجسّد، وبدعة أوطيخا، الذي يقول : إن في المسيح طبيعة واحدة، والصحيح إن في المسيح طبيعتين، إلهية وإنسانية. وغيرها من البدع التي قاومها المسيحيون الحقيقيون في كل مكان.


وفي هذه الغمرة من التشكيك، واختراع البدع والمقاومة الشرسة المسيحية، ولد مار مارون سنة 350 مسيحية، في قرية تقع في جوار مدينة قورش. تربّى منذ نعومة أظفاره على الفضيلة والتقوى. درس العلوم في مدارس إنطاكية، ودعاه الله الى عبادته. آثر الانفراد والعيشة النسكية، نابذا" غرور العالم وملذّاته، وهو في مطلع العمر، جامعا" حوله الكثير من الشباب الذين سمّوا رهبانا" فيما بعد. نفخ فيهم روح الإيمان الحقيقي، وسار بهم طريق المسيح تبشيرا" وتضحية، فكانوا رسلا" غيورين، مثال فضيلة وقدوة فضل، لهم قلب واحد، ونفس واحدة. بهذا الإيمان والفضائل السامية تمكنوا من نشر المسيحية في كل أنحاء سوريا. ونتيجة لهذا الانتشار السريع للدين المسيحي، اشتد الاضطهاد الكافر الأسود، في كل مكان وجد فيه مسيحي، من قتل وذبح وحريق، للكهنة، والرهبان، والمؤمنين بالمئات، مع تدمير معابدهم، وأديرتهم، ومنازلهم حيث وجدت.


هذا الاضطهاد حمل الكثيرين على الهرب الى الغرب، نحو لبنان، على دفعات متفرّقة. منهم في أوائل الجيل الخامس سنة 475 م. وهو القسم الأكبر الذي ملأ لبنان الشمالي والأوسط الذي كان يسمّى "فينيقية" عن طريق البقاع في الجنوب، وعكار في الشمال، مرورا" بخراج بلدتي القبيات و عندقت، وذلك نحو الجبل السادس.


يبدو أن الموارنة الذين مرّوا في هذه الربوع الشرقية من لبنان، وجدوا لهم موئلا" حصينا" ومضمونا" في ربوع هاتين البلدتين المذكورتين. فآثروا السكن في وهادهما وسفوحهما، وفيهما حفروا مغاور وانفاق، يختفون فيها عند المداهمات، ويقيمون فيها شعائرهم الدينية بعيدا" عن أعين المضطهدين، يمجّدون ربّهم بهدوء واطمئنان.


الشاهد الواضح على صحّة ذلك، عشرات المغاور والكهوف التي نراها حتى اليوم وتسمّى ب"المزارات" في القبيات وعندقت وسائر القرى المجاورة. كلها تشرح لنا بوضوح حالة السكن، والكيفية التي مارسها شعبنا المضطهد منذ 1550 سنة.
 
من هذه الكنائس التي ظهرت على أثر تلك المزارات القديمة، كنيسة "الحبل بلا دنس" في القبيات حي الذوق. وسنشرح بالتفصيل المراحل التي مرّت فيها هذه الكنيسة، ذاكرين بالشكر والتقدير الذين تعاونوا على بنائها، فقدّموا الأرض التي عليها تقوم، ورسّخوا أسسها، ورفعوا جدرانها، وجمّلوها بالسقوفية، واضافوا اليها في الداخل والخارج مظاهر كمالها، فجاءت بيتا" للعبادة بهيّا"، تنحني امامه الرؤوس تمجيدا" لله وللعذراء البريئة من الدنس.
 
 
بعد هذه المقدمة أتوجّه بالسؤال الى أحبائنا في الجيل الطالع من شبّان وشابّات في رعية الذوق :
أين كان أجدادكم وآباؤكم يقومون بواجباتهم الروحيّة على مدى السنين القديمة الطويلة في هذه الرعية ؟
أجيب عنكم :


كان أبناء رعية الذوق يتمّمون واجباتهم الدينية في بيوت قديمة، يقدّمها أصحابها مجّاناً لهذه الغاية، أو يستأجرونها بقيمة رمزية.


أمّا هذه البيوت التي استخدمت للقيام بالشعائر الدينية في القديم فهي :
1. بيت من آل حبيش قائم على كتف النهر مع بعض البيوت في غير مكان منذ سنة 1810 م. وما قبل .
2. بيت الخوري يوسف زيتوني والد الخوري بولس زيتوني وهو مكان المستوصف الرسمي اليوم، الطابق الأرضي.
3. بيت إبراهيم نعّوس غربي مصلحة المياه في الذوق.
4. بيت عبّود موسى غربي الكنيسة الحالية ولم يزل ركاما" من الحجارة.
5. بيت إبراهيم فارس زيتوني ولم يزل حتى اليوم قائما" غربي المستوصف.
6. وأخيرا"، شطر من الكنيسة الحالية لجهة الشمال سقف بالخشب وغُطِّي بالتراب.
 
 
 أمّا أبناء الرعية كباراً وصغاراً فكانوا مواظبين على ممارسة واجبهم الديني في البيوت الرثّة المتداعية المذكورة، صيفاً وشتاءً، رغم ضيق المكان والدلف على رؤوسهم والغبار المنتشر بينهم.
 
أمّا الكهنة الذين توالوا على خدمة هذه الرعية طيلة هذه الحقبة من الزمن فهم :
1. سلسلة من كهنة آل حبيش بدءاً من سنة 1810 حتى سنة 1872 .
2. الخوري يوسف زيتوني منذ سنة 1872 الى 1885 .
3. الخوري بولس زيتوني منذ سنة 1885 الى سنة 1908 .
4. الخوري بطرس حبيش منذ سنة 1908 الى سنة 1924 .
5. الخور أسقف مخائيل الزريبي من مرتمورة، منذ سنة 1924 الى 1926 .
6. الخوري إبراهيم الزريبي من الضهر، خدم عشرة أشهر ثم مرض فعُـيِّن مكانه :
7. الخوري يوسف حنا الأول من الضهر، منذ سنة 1926 الى 4 آب 1944 .
8. الخوري يوحنا حبيب البيسري منذ سنة 1944 الى 1951 ، ثم غادر القبيات الى طرابلس، فخلفه والده الخوري يوسف البيسري وذلك في عهد المثلث الرحمات المطران انطون عبد.
 
 
قام الخوري يوسف البيسري بخدمة الرعيتين : سيدة الغسالة والذوق، وقد بلغ من العمر نحو ثمانين سنة. واصل هذه الخدمة منذ 1 كانون الأول 1951 حتى 9 حزيران 1965 . ومن بعده فِّـوض الخوري يوسف حنا الثاني بخدمة الذوق حتى اواخر آب 1970 . ثم خلفه الخوري بطرس الشدياق مدة سنتين، ومن بعده تسلمها الخوري يوحنا حبيب البيسري منذ 19 ايلول 1972 حتى اواخر ايلول 1986 ، حين تسلمها منه الخوري ميشال بيطار بتفويض من راعي الابرشية المطران انطوان جبير، ولم يزل حتى اليوم يمارس خدمتها منفرداً. ( تذكير بأن تاريخ هذا الكتاب يعود لعام 1992 ).
 

أمّـا المطارنة الذين توالوا على رعاية أبرشية طرابلس المارونية وعايشوا تطوّرات كنائس القبيات فهم :
1. المثلث الرحمات سيادة المطران بولس مسعد من سنة 1846 الى 1872 ثم ترمّلت الأبرشية مدة 6 سنوات.
2. المثلث الرحمات سيادة المطران اسطفان عواد من 1878 الى 1908 .
3. المثلث الرحمات سيادة المطران انطوان عريضة (البطريرك) من 1908 الى 1933 .
4. المثلث الرحمات سيادة المطران انطوان عبد من 1933 الى 1975 .
5. سيادة المطران انطوان جبير 24 آب 1977 ولم يزل يدير الأبرشية حتى هذا التاريخ.
 
 
في سنة 1879 قام المثلث الرحمات سيادة المطران اسطفان عواد بإولى زيارته القبيات، ولدى تـفقده أبناءه في رعية الذوق، ساءه أن يرى الذبائح الإلهية تقام في بيوت سكن حقيرة، فجمع مشايخ الرعية واعيانها في بيت المرحوم شاهين نادر، وتدارسوا وضع الكنيسة، فعيّن سيادته صاحب الدار، أول وكيل على الوقف، ليهتم ببيت الله . وبعد مغادرة صاحب السيادة القبيات، عقد وكيل الوقف الجديد اجتماعاً حضره عموم أبناء الرعية واتفقوا على شراء مجال لبناء كنيسة جديدة تليق بمقام الله .
قرّ الرأي على المكان الذي تقوم عليه الكنيسة حالياً. تفاوضوا مع صاحبه المرحوم يوسف هاشم الجدّ، فقدّم الأرض هبة وذلك نحو سنة 1890 ، فشكر على عمله. 
  
 
 

الحجر الأول في الكنيسة الجديدة

 
وفي سنة 1891 وبرئاسة سيادة المطران اسطفان عوّاد وبوكالة المرحوم شاهين نادر، وُضع الحجر الأول في بناء كنيسة الحبل بلا دنس الحالي، وقد بلغ طوله 28 متراً ؤعرضه 15 متراً، وسماكة الجدران نحو المتر، شكله مستطيل وبدون خورس.
 
توالى العمل حتى بلغ العلو نحو المتر من جهاته الأربع. نفدت الدراهم، وفترت همّة أبناء الرعية، فاضطرّ وكيل الوقف الى الاستقالة.
 
وفي سنة 1905 وبناء على طلب راعي الأبرشية المذكور أعلاه، ورغبة الأهالي، تسلّم الوكالة يوسف اسكندر من حي الضهر، وكان رئيساً لأخوية الحببل بلا دنس في الذوق، ومن الرجال الغيورين. أخذ يستجمع القوى، ويبعث النشاط في عزائم الشعب، فلم يلاقِ التجاوب المرغوب فجمع من التبرّعات ما مكّنه من زيادة مدماك واحد على الأساس القديم، وإضافة خورس ضيّق على البناء. وبعده سُدّت في وجهه أبواب الإحسان فتوقف المشروع مدة عشرين سنة تقريباً.
 
في خريف 1927 ، 12 تشرين الأول، قام المثلث الرحمات غبطة البطريرك انطون عريضة بالزيارة الرعائية، لما كان مطراناً على ابرشية طرابلس. وبمناسبة وجوده في رعية الذوق، بحث موضوع الكنيسة المجمد، وأجمع الأهالي على تعيين السيد يوسف اسعد شاهين ضاهر وكيلاً للكنيسة بعد وفاة شاهين نادر ويوسف اسكندر. 

 
 

تعديل في البناء

 
درس الوكيل الجديد حالة البناء مع بعض معاونيه فوجدوا انه يستحيل استكمال البنيان بسماكة متر في الجدران، فعدّلت السماكة الداخلية، واقتصرت على ستين سنتيمتراً. وتقليصاً للنفقات أُستغني عن الخورس. لكن هذه التدابير لم ترق للبعض، إذ اعتبروها هدر أموال سدىً، فعارضوا المشروع، فتقاعس الوكيل عن العمل، واضطر الى تفديم استقالته الى سيادة المطران انطون عبد في إولى زيارته القبيات في اول سنة 1933 .
 
 
 

الكنيسة المصغّرة

 
ظلّت الكنيسة على حالتها الزرّية نحواً من 11 سنة. وفي خريف سنة 1944 عيّن سيادة المطران انطون عبد راعي أبرشية طرابلس، الكاهن الجديد الخوري يوحنا حبيب البيسري خادماً لرعية الذوق اثناء مرض الخوري يوسف حنا الاول الخادم الاصيل. فأول بادرة قام بها جمع كلمة أبناء الرعية وتوحيد الجهود لاستئناف العمل في بناء الكنيسة. وبعد اجتماعات متكرّرة بمشايخ وأوجه الرعية من كل العيال، أُقيم المرحومان أمين ضاهر ونادر شاهين وكيلين جديدين. فأخذا يعملان بجدّ لجمع التبرّعات من القبيات وخارجها. لم توفّق حركتهما من جراء ظروف الحرب العالمية الثانية، وموجة الغلاء، وحاجة الناس، فارتأى معظم العية ان يُقتطع من الكنيسة سوقٌ، شرقاً وغرباً بشكل "كبلّة" cabelle  صغيرة تقام فيها الشعائر الدينية ريثما تنفرج الازمة.
 
نفذ المشروع، سقف بالخشب وغُطي بالتراب. حصل على الخشب من عكار العتيقة بواسطة عبدو آغا وكنجو آغا زعيمي البلدة. وبلغ ثمن العود بطول 13 قدماً أربع ليرات لبنانية. نقل هذه الأخشاب المرحومون يوسف عيسى الشدياق، برهون يوسف الياس زيتوني، مخول عبود فارس، طنوس عيسى الشدياق، على بغالهم، وذلك في 24 حزيران 1945 . حـمّلوا البغال في وادي قرية المراحات في عكار العتيقة، الساعة الخامسة مساء. وصلوا الى الكنيسة نحو الساعة الثامنة ليلاً لوعورة الطريق وصعوبتها. لكن هذا المشروع لم يدم طويلاً اكثر من ثلاث سنوات، إذ أخذت الأخشاب تتهاوى الواحدة بعد الاخرى حتى سقطت كلها. كانت محاولة فاشلة حملت الكثيرين على الاعتقاد أن العذراء لا تريد أن تشاد كنيستها في هذا المكان.
 
 
 

عـهد جـديد

 
ظـلّت أطلال هذا المعبد المصغّر ماثلة للعيون مدة خمس سنوات، تدمي مآقي الناظرين اليها، وتحمل كل من مرّ من هناك عتى التضرّع الى العذراء لترسل من يزيل آثار هذا الخراب ويجدّد للعذراء بيتاً يليق بجلالها وعظمتها.
وكأن العذراء استجابت طلبات عابري السبيل وتمنيات الكثيرين من أبناء الرعية.
 
ففي 15 تشرين الأول 1952 قام صاحب السيادة المطران انطون عبد بزيارته التقليدية للقبيات. احتفل بالقداس الإلهي في بيت نسيم فارس. وبعد القداس اجتمع بوجهاء الرعية واعيانها أبدى استياءه الشديد من وضع الكنيسة والفتور المستحكم في القلوب، فشدّد على وجوب تشييد الكنيسة مهما بلغت الصعوبات للتخلّص من مهزلة بيوت السكن ورثاثتها، وللحال، وبالاتفاق مع الحاضرين، عيّن لجنة للوقف، قوامها وجيه قسطون، والمعتم نخله بطرس، ويوسف عيسى الشدياق، وذلك لِما للمعتم نخله من إلمام شامل بقضايا البناء والإتقان، وللسيد وجيه قسطون من نخوة ونشاط، ولحرمة يوسف عيسى وكرامته.
 
تسلّمت اللجنة الجديدة دفاتر الوقف، لكنها لم تتسلّم غرشاً واحداً من مخلّفات الماضي، فركّزت اتكالها على العذراء، وعقدت اجتماعاً درست فيه ناحية الأعمال وموضوع التكاليف ومضت جاهدة في العمل.
 استأنفت اللجنة أعمالها على أساس الكنيسة القديم، لكنها زادت الخورس بعمق خمسة امتار جنوباً، فاصبح طول البناء 33 متراً بعرض 15 متراً.
ثم توالت الاجتماعات لجباية تكاليف الجدران في المرحلة الأولى. وكانت صينية القداس إولى مصادر العون، تجمع بالليرة والفرنك، ثم فرضت اللجنة خمس ليرات لبنانية على كل بيت، وخمساً اخرى على كل جندي متقاعد من ابناء رعيتي الذوق وسيدة الغسالة. وقامت بجولات متتالية على المحسنين في كل أنحاء لبنان، متحملة ذل الاستعطاء، فجمعت ما مكّنها من رفع الجدران كلها بالإضافة الى الخورس، بعلو عشرة أمتار للجدران و 15 متراً للخورس.
 
 
 

السقوفية

 
توقفت أعمال اللجنة بعد ذلك نحو تسع سنوات لعدم توفّر المال، لكن الله والعذراء، لم يتوقفا عن التفكير في إتمام بيتهما.
ففي سنة 1963 حملت هذه العذراء من أقصى بلاد فنزويلا الى لبنان، الشيخ رامز ضاهر لزيارة مسقط رأسه القبيات، بعد غياب دام خمساً وعشرين سنة. وقف على حالة الكنيسة وما وصلت إليه، وما قاسى الشعب من ذل وعذاب وتشتت، فدفعته أريحية عرف بها منذ الصغر، وحب صميم للعذراء الى التبرع بإنجاز اعمال السقوفية مهما بلغت التكاليف، فقوبل إحسانه بشكر القبيات الشامل، وسجّلت هذه المكرمة على لوحة رخامية حفظت في الكنيسة للذكرى، وفي غضون أشهر كان السقف جاهزاً، والقداديس تقام في الكنيسة الجديدة، والرعية كلها تجتمع تحت سقف واحد.
هذه التضحية من جانب هذا المحسن الكبير رامز ضاهر شجّعت الكثيرين على التبرّع، وحفزت بلجنة الوقف على مضاعفة الجهود، فأنجزت في اقل من سنة تلبيس الجدران الداخلية، وصُبّت الأرض بالاسمنت، وباتت تنتظر العون الاخير لاتمام الباقي من الاعمال المهمة التي تضفي على المعبد رونقاً وجمالاً. ولقد تمّ ما ذكرناه من أعمال سنة 1964 .
 
  
 

الإنجازات الأخيرة

 
وفي سنة 1965 عاجلت المنية أحد أعضاء لجنة الوقف المرحوم يوسف عيسى الشدياق، ثم استقال المعلم نخله بطرس، فعُينت لجنة جديدة قوامها السيد وجيه قسطون والشيخ جودات ضاهر، وحنا طنوس، ويوسف موسى حاكمه وأُضيف اليها سنة 1981 السيد يوسف نسيم قسطون.
استأنفت اللجنة أعمالها بجمع التبرعات، لإنجاز ما تبقى من الأعمال الداخلية المهمة. لكنها لم توفق كثيراً، فاضطرّت الى تعليق الأشغال مدة ثلاث سنوات.
وفي سنة 1968 وقد بلغ اليأس من قلوب الوكلاء مبلغه، إذ سُدت في وجوههم كل أبواب العون، وفي هذه الغمرة من القنوط، حضر الى لبنان المحسن الكبير السيد مطانيوس قسطون وعقيلته تراز لتفقد الاهل والانسباء. فكأن زيارته كانت تنفيذاً لرغبة العذراء وترويحاً عن صدور لجنة الوقف التي ضاقت بهموم الحاجة، وتفريجاً عن قلوب أبناء الرعية.
زار الضيف الكبير وعقيلته الكنيسة، اطلع على حالتها بالتفصيل، عُرض عليه ما تضطر اليه من بلاط للأرض ومذابح وبلور للنوافذ مع مساعدة للوقف.
تعهّد وعقيلته بدفع تكاليف كل ما ذكر مهما بلغت قيمتها. وللحال فتح حساباً جارياً للوقف بواسطة السيد وجيه قسطون أحد أعضاء اللجنة، وكلّف نسيبه المهندس جان قسطون بالاشراف عتى الاعمال من الناحية الفنية، وابداء ملاحظاته عند الاقتضاء.
وفي مدة لم تتجاوز السنة، أُنجزت كل الأعمال المذكورة من بلاط رخامي ابيض للأرض، وسمّاقي للخورس والمذابح، وزجاج ملوّن ومحجّر للنوافذ. بلغت التكاليف اكثر من خمسين ألف ليرة لبنانية في ذلك الوقت، دفعها السيد وجيه قسطون بيده من أموال من يُذكر فيُشكر المحسن السيد مطانيوس قسطون وزوجته. كل ذلك تمّ بين السنتين 1968 و 1969 .
 
 
 

الواجهات، القبب، التكنة

 
في سنة 1971 ، عاد السيد مطانيوس قسطون وزوجته الى القبيات مرة ثانية، تفقد الأعمال التي تمت في غيابه، أُجري عليها بعض التعديلات، كرفع المذبح درجتين عن ارض الخورس، ليبدو أعلى من صحن الكنيسة. ووقف من اللجنة على ما ينقص من كماليات، فعُرض عليه مشروع الدهان، والتمديدات الكهربائية، فتبنّاها كلها، وقرر علاوة على ذلك، إنشاء واجهة للكنيسة من الحجر المقصوب الابيض والى جانبها غرباً وشرقاً قبـّتين حجريتين واقترح تغطية سطح الكنيسة بتكنة من الاترنيت الاحمر محافظة على الجدران والسقف من الرطوبة والنش.
ولم تنته سنة 1971 حتى تمت كل هذه الأعمال بطريقة فنية مضمونة، أضيف اليها صليب أثري كبير من الخشب الثمين عُلق على صدر الخورس وراء المذبح الكبير.
 بلغت تكاليف هذه الإنجازات فوق الثمانين الف ليرة لبنانية دفعها السيد وجيه قسطون عضو لجنة الوقف من أموال المحسن السيد مطانيوس قسطون وزوجته، فسُجلت أعماله على لوحة رخانية مركّزة الى جانب المذبح.
 
وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني سنة 1972 ، رُكز الجرس الجديد المصنوع في بيت شباب في القبة الشرقية، بعد أن باركه الخوري يوحنا حبيب البيسري خادم الرعية آنذاك. وتوالت دقاته طيلة ذلك النهار تدعو المؤمنين الى الشكر لله وللعذراء التي مدّت يد العون، ألهمت المحسنين، فساعدوا على إتمام هذا المعبد الفخم الجميل، بعد أن مضى على تأسيسه أكثر من ثمانين سنة.
 
أما الجرس القائم في القبة الغربية فهو تقدمة من السيد المحسن رامز ضاهر الذي سبق وتكرّم برفع سقوفية الكنيسة.
 
وفي 3 تشرين الثاني 1972 ، رُفع تمثال سيدة الحبل بلا دنس على واجهة الكنيسة، تبرّع به السيد مطانيوس قسطون وزوجته.
 
وفي أوائل أيار من سنة 1974 قام السيد الياس جلخ من بكفيا برفع عواميد حديدية على تصوينة دار الكنيسة تنتهي بفوانيس كهربائية، ولبّس التصوينة الخارجية بالحجارة الصغيرة المخروطة، وببلاط كبير منحوت، كلّه من ماله الخاص. وتلا هذه الإنجازات تسوية الدار من جهة الشرق.
 
أما لجنة الوقف المذكورة، فقد تابعت أعمالها في الكنيسة، فجهّزتها ببنوك مصنوعة من خشب الزين وكرسي للاعتراف، وشيدت الى جانب الخورس من جهة الشرق سكرستياً لاستيعاب الخزانات التي تحفظ فيها اوعية الكنيسة، وحيث يرتدي الكاهن بدلة الكهنوت. أضيف إليها صالة للاستقبال واسعة، جُهزت بكراسٍ خيزرانية، وفوق الصالة غرف نوم، ومكتب ومنتفعات صحية للكاهن الذي يخدم الكنيسة.
 
وتلا هذه الإنجازات تسوية لدار واسعة لجهة الشرق، غُرس فيها بعض أشجار الصنوبر، وأقيمت عليها بعض المقاعد من الإسمنت يرتاح عليها من يريد من ابناء الرعية تحت ظل الصنوبرات الجميلة.
 
كل تلك الأعمال والتجهيزات تمت في عهد المثلث الرحمات سيادة المطران انطون عبد الذي تولّى رئاسة أبرشية طرابلس المارونية منذ 7 أيار 1933 الى يوم وفاته 15 أيلول 1975 .
 
 
 

الخاتمة

 
وفي الختام نكرّر الثناء العاطر والدعاء الحار لكل من تعب وأحسن الى هذه الكنيسة، سواءً بالمال أو بالأعمال أو بالنصيحة، نخص منهم بالشكر والدعاء السيد مطانيوس قسطون وزوجته، والشيخ رامز ضاهر، سائلين الله والعذراء مريم أن يعوّض على الجميع بسعادة الدّارين. نتبع شكرنا هذا بالثناء على لجان الوقف التي توالت على العمل في هذه الكنيسة بغيرة واندفاع وتنظيم في الداخل والخارج، نخصّ منها الأخ حنا طنوس زيتوني الذي أضاف الى عمله في الوقف، خدمته للكنيسة ولكاهن الرعية في كل الاوقات وبدون أي بدل.
 
كافأتهم العذراء مع كل من عمل في خدمتها، آمين.


17 كانون الأول 1992
الخوري يوحنا حبيب البيسري
 Revd. Youhanna Baysari
 

تم الانتهاء من تحضير وتجهيز الطبعة الالكترونية لهذا الكتيّب ليلة سبت اليعازر في 06 نيسان 2001
Webmaster Elie

 

Organized and Typed by Webmaster ELIE

Back to Youhanna Baysari Books