back to Pere Nassim Kastoun Doc


الخوري نسيم قسطون للـtayyar.org " "كلّ مسيحيّ هو مشروع شهيد " ...

tayyar.org
زينة خليل -

لأنه زمن الميلاد المجيد ... ولأن على كل مسيحي التعرف على معاني ورمزية الكثير من التقاليد والعادات التي يمارسها خلال فترة الأعياد كان لموقع tayyar.org وقفة تأملية ودينية مع الخوري نسيم قسطون ...

من هي القديسة بربارة؟
الأكيد بانّها ولدت في عائلة غنيّة وثنيّة متعصّبة ووالدها ديوسكوروس كان قائد جيش الوالي وقد حرص على تأمين أفضل تربية وثقافة علميّة ودينيّة لابنته بربارة وجعل إقامتها في برجٍ محصّن كي لا تتعرّض ﻟ"خطر المسيحيّة"!. هذه الإقامة "الجبريّة" جعلتها تتأمّل في أسرار الكون والخلق وقيل بأنّ من بين خدّامها مسيحيّين (غير مجاهرين علنًا بإيمانهم) فعرّفها أحدهم بالمسيح والعذراء مريم والكتاب المقدّس وكان أن تتلمذت على يدهم وتواصلت سرّا مع معلّمين كأوريجانوس الّذي أرسل إليها فالنتينوس – أحد تلامذته – ليعمل بصفة خادم فقبلت سرّ العماد المقدّس ونذرت بتوليّتها للربّ. تفاجأ الوالد من سلوك ابنته وزهدها فصارحته بأنّها مسيحيّة فحاول إقناعها بالزّواج ولكنّها جاهرته أيضًا برغبتها بالتكرّس فغضب ووضعها في سجنٍ وهو عبارة عن برجٍ عالٍ وحصينٍ ولكنّها أفلحت في الهرب غير أنّ جنود أبيها ألقوا القبض عليها مجدّداً. فذهب أبوها إلى الوالي مركيانوس وروى له ما يحدث معه فأتى بها الوالي إليه وحاول بالحسنى إقناعها بالتخلّي عن مسيحيّتها فلم تقبل فاستخدم معها أسلوب التهديد فأجابته بأنّ لا شيء سيبعدها عن محبّة المسيح. عندها أمر الوالي بتعذيبها، تمّ جلدها فتمزّق جسدها وتفجرت دماؤها وطرِحَتا في السجن فظهر لها الربّ يسوع وشفى جراحها.
وفي اليوم التالي، عندما رآها الحاكم صحيحة الجسم مشرقة الوجه حاول نسبة شفائها إلى الأوثان فجاهرت من جديد بإيمانها ما دفع الوالي إلى جلدها مرّة ثانية حتى تناثر لحمها وأمر بتعذيبها اشد العذاب وأمر بأن تمرّ عارية ما بين الجموع ومن ثمّ أن تحرق بالنار ويقطع ثدياها... في العام 235 م، أمر الوالي بقطع رأسها، ، فاستأذن والدها ديوسكوروس الوالي بان يقوم هو بنفسه بقطع رأس ابنته فاستشهدت القدّيسة على يد والدها.

هل القديسة بربارة استشهدت؟ وكيف نفسر هنا معنى الإستشهاد؟
كلمة الاستشهاد في المسيحيّة تعني أن يموت المرء فداءً عن أحبّائه (مثل الجنود أثناء الدّفاع عن وطنهم أو مثل والدٍ يحامي عن أسرته في وجه سارقين) أو أن يموت بسبب إيمانه المسيحيّ ورفضه لنكران هذا الإيمان وهو ما حدث مع القدّيسة بربارة، لهذا نعتبرها من الشّهداء...
مع الأسف، حتّى عصرنا الحالي، يكثر الاضطّهاد الدينيّ الطابع وما زال العديد يستشهدون من جرّاء قناعاتهم الدينيّة وخاصّة في الأماكن الّتي يسيطر عليها المتطرّفون دينيًّا...
لكن، هناك انواعٌ أخرى من الاضطهاد منها نكران القيم والامتثال لثقافة المعايير المزدوجة حيث لا تمييز ما بين الحقّ والباطل وحيث باسم الحريّة ترتكب انتهاكات بحقّ الحريّة الدينيّة (كتصرّفات جمعيّة فيمين في أوروبّا) أو كتشريع الإجهاض في كثير من الدول ذات التقليد المسيحيّ في معارضة لقيم الحياة...
في هذا المجال، يمكن التأكيد بأنّ كلّ مسيحيّ هو مشروع شهيد إن حلّ الاضطهاد دون ان ينفي ذلك حقّه بالدّفاع عن نفسه. ولكن لا بدّ من تذكير المسيحيّين بأنّهم مدعوّون ليكونوا شهودًا (من شهادة) في كلّ يوم وإن لم يصبحوا شهداء (من استشهاد)...

ما هو معنى عيد القديسة البربارة الحقيقي؟
معنى العيد الحقيقيّ اليوم هو التشبّه بثبات القدّيسة بربارة على إيمانها رغم الاضطهاد وتجنّب الازدواجيّة والتناقض في السلوك اليومي ما بين انتمائنا الرّوحيّ إلى المسيحيّة وتصرّفاتنا الّتي غالبًا ما تكون بعيدة عن قيمنا... يمكن القول بأنّنا مدعوّون لنكون بوجهٍ واحد لا بوجوهٍ متعدّدة...

الناس ضائعة بين معنى عيد القديسة بربارة الاساسي ونشاهد تاثرهم بالعالم الغربي كاحتفالات التنكرية شو رأي الكنيسة بهذا الموضوع؟
الناس في أيّامنا، في عيد القدّيسة بربارة، تمارس عادات وتقاليد أقرب إلى فكرة الهالوين في العالم الغربيّ. في الواقع، يحتفل بالهالوين (معناها الأساسيّ: All Hallows Eve أي ليلة كلّ القدّيسين) في العالم الغربيّ في أوّل يوم من تشرين الثاني وهو الموافق لعيد جميع القدّيسين في العالم الكاثوليكيّ.
ولكن، ما يرافق العيد من عادات كأشكال الموتى والوجوه المخيفة يعود إلى تقليدٍ قديم لدى السلتيّين (عاشوا في أواخر العصر البرونزي أي حوالي سنة 1500 قبل الميلاد وخاصّة في إيرلندا) الّذين كانوا يؤمنون بعدم موت الروح وكانوا يحتفلون بعيد رأس السنة في ليل 31 تشرين الأوّل من كلّ سنة وكانوا يخصّصونه لتكريم الإله ساماهاين (إله الموت والبرد) الّذي، وفقًا لاعتقادهم، كان يأتي مع مجموعة من أرواح الموتى في مثل هذه الليلة للتفتيش عن أجساد أشخاص أحياء ليتملكوها وهو ما كان يخلق ذعرًا ما بين النّاس ولكنّ كثيرين كانوا يلجأون إلى لبس الثياب الغريبة من رؤوس وجلود الحيوانات بالإضافة الى إصدار ضجة وأصوات قرع لإخافة الأرواح المقتربة وهو أساس عادة استخدام الوجوه المخيفة.
لذا كان الكهنة في هذه المناسبة يُعدّون احتفالا يتضمّن تحضير نارٍ كبيرة ومن ثمّ التنقّل ما بين البيوت لتوزيع النّار المقدّسة على النّاس بهدف طرد الأرواح ومقابل ذلك يجمعون التقدمات لإرضاء الإله وفي حال الرفض كانوا يلعنون البيت وأصحابه وهذا أساس جمع الهدايا وتقليد (Trick or Treat) أي أعطونا وإلا حلّ الشرّ بكم الّذي يمارسه الكثيرون، مع الأسف، على سبيل المزاح، دون أن يعلموا أساسه الوثنيّ. ونظرًا للطبيعة الليليّة للاحتفال، كان الكهنة يحملون، لإنارة طريقهم، خضار "اللفت" مفرّغة في وسطها ومحفور عليها شكل وجه، يضيئونها عادة باستعمال الشحم البشري من التقديمات السابقة. وأساس ذلك رواية عن إنسان يدعى "جاك" تم طرده من السماء وجهنم في آن معًا، فهام في الأرض ولم يعرف كيف يذهب، ولكي يعزّيه الشيطان في مصيبته أعطاه قطعة حطب مشتعلة وضعها جاك داخل خضار "اللفت" لينير طريقه في الليل، ولذلك اليوم يُطلق الاميركيون على "اليقطينة" المُستعملة في عيد هالووين، منذ أيّام الرومان، (Jack-o-lantern). وهو أساس استخدام اليقطينة

المنارة الّتي نشاهدها أحيانًا في زينة عيد البربارة مع الأسف!!!
بعد ان تحوّلت الإمبراطوريّة الرومانيّة إلى المسيحيّة، وللتخفيف من وثنيّة التقاليد، نقل عيد تذكار القديسين من شهر أيار الى أوّل تشرين الثاني. وفي العام 840 م، أضاف البابا غريغوريوس الرابع تذكار الموتى على المناسبة وهو الذي نعيده اليوم في الثاني من تشرين الثاني في العالم الكاثوليكيّ.
غير أنّ العديد من المهاجرين الإيرلنديّين إلى الولايات المتحدة الاميركية أعادوا إحياء بعض التقاليد الّتي أشرنا إليها منذ حوالي العام 1840 م في ليلة عيد جميع القدّيسين وانتقلت تدريجيًّا إلى الشرق ولكن في ليلة عيد القدّيسة بربارة!
وبالطبع، رأي الكنيسة واضح حول ضرورة الابتعاد عن كلّ ما يرتبط بثقافة الخوف والموت ولا سيّما أنّنا من "أبناء القيامة" والمؤمنين بها وكذلك ترجو الكنيسة الابتعاد عن كلّ ما يحوّر أعيادنا ويبعدها عن طابعها الرّوحيّ ويغرقها في الماديّات...
فمثلّا، تقليد استخدام الوجوه التنكريّة، يجب ربطه بما يروى عن القدذيسة بربارة بأن نورًا عجيبًا لفّها حين أمر الوالي بأن تمرّ عارية ما بين النّاس بدلًا من ربط تقليد الوجوه بعادة التخويف.

لماذا يقدم القمح والقطايف والزلابية في هذه المناسبة؟
تقديم القمح في عيد القدّيسة بربارة يرتبط بتقليدٍ قديم في الشرق حول هروب القدّيسة بربارة من جنود أبيها ما بين حقول القمح...
وللقمح رمزيّة مهمّة في المسيحيّة تحدّث عنها الربّ يسوع في الإنجيل حين قال: "أَلحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ حَبَّةَ الـحِنْطَة، إِنْ لَمْ تَقَعْ في الأَرضِ وتَمُتْ، تَبْقَى وَاحِدَة. وإِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير. مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ يُبْغِضُهَا في هـذَا العَالَمِ يَحْفَظُهَا لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة" (يوحنا 12: 24-25).
هذه الرمزيّة تشير إلى أهميّة العطاء والبذل في سبيل نمو وحياة الآخرين الّذي يمكن أن يصل إلى حدود الاستشهاد.
أمّا تقليد ضيافة القطايف والزلابية فمستمدّ من مفهومٍ يشير إلى تناثر أشلاء ودماء القدّيسة بربارة حين جلدت كما يحصل عند رمي هذه الحلوى في الزيت ومعناه أنّ الإيمان يحوّل بشاعة الاضطهاد إلى حلاوة نعم روحيّة بالقداسة كما يحوّل الزيت الحامي العجين إلى حلوى.

هل يجب أن نعيش التقاليد لنتذكر مناسبة؟
التقاليد الخالية من العمق الرّوحي تتحوّل إلى مجرّد فولكلورٍ لا قيمة له كمن يضع مغارة وشجرة الميلاد في البيت كزينة فقط ولا يصلّي أبدًا أمامها أو كمن يضيء الشّموع في الكنائس والمزارات دون ان يصلّي أو كمن يضع صليبًا على صدره فيما يجدّف ويرتكب خطايا لا تحصى بحقّ هذا الصليب...
التقاليد وجدت لتساعد الإنسان على الدّخول في المعنى لا لإغراقه في الإسفاف، لذا من الضرّوري تحديث التقاليد وتعديلها او شرحها بما يتوافق مع روح الأعياد الحقيقيّة.

الكنيسة كيف تحاول توعية الأجيال الصاعدة وتثقيفها دينيا ولاهوتيا؟
كثيرةٌ وسائل التوعية التي تستخدمها الكنيسة في أيّامنا من وسائل الإعلام إلى وسائل التواصل الاجتماعي ولقاءات التنشئة للعلمانيّين الرّاغبين في التعمّق في الإيمان فضلًا عن المتابعة الشخصيّة للأفراد في الإرشاد الرّوحيّ والأساليب الحديثة لتقريب كلمة الله من النّاس وتبسيط شروحاتها.

03/12/2014