Webmaster Eng.Elie ABBOUD

Email : elie@kobayat.org

back to Michel Breydy Page

 

الخوري ميشال البريدي في ذكرى ميلاده الثمانين

 

في يومٍ من الأيام، شاء الخوري ميشال البريدي أن يلخّص حياته فكتب:

 

"... ولي في ملحق النهار البيروتية (بين سنة 1960 و 1965) مقالتان جريئتان نشرتهما بأسم مستعار وهو "حرّ بن نظام الانطاكي".

وهذه التسمية تشكل بالفعل برنامج حياتي من أوّلها إلى آخرها بالرغم من كل الصعوبات (والرذالات) التي تحمّلتها كالخبز اليومي.

فقد بقيت حرّاً صامداً تجاه كل سلطة استبدادية أو إقطاعية!

وقد حافظت دوماً على حدودي حبّاً بالنظام.

وضحّيت بالكثير من حقوقي حبّاً بالوداعة والسلام.

وأما الاتجاه "الأنطاكي" فهو ظاهر في كل أبحاثي حيث خدمت طائفة أنطاكية بشخص رجالاتها الموارنة من رهبان وعلمانيين!"

( نقلاً عن موقع :  http://www.kobayat.org/data/michel_breydy/index.htm)

 

 

وإذا كان من الصعوبة بمكان أن تتلخّص حياةٌ كاملةٌ بسطور، فقد اختصر هذا اللقب الّذي اختاره الخوري ميشال البريدي ليصف نفسه به، منظومةً فكريّةً كاملة ونهجاً حياتيّاً كافح من أجله وبذل من ذاته في سبيله، حتى آخر لهجةٍ من لهجاته، يوم أسلم الرّوح في 12 أيلول عام 1994.

 

في ذكرى ميلاده الثمانين (16 تشرين الثاني 1928 – 16 تشرين الثاني 2008)، شئنا أن نتوجّه إلى روحه بهذه السطور، تخليداً لذكراه ووفاءً لعطاءاته.

 

لن نجيب هنا على السؤال: من كان الخوري ميشال البريدي؟، لنترك للقارئ شوق البحث عن غنى شخصيّة هذا الإنسان عبر الإطلاع على مسار حياته في التلخيص الّذي يعرضه الموقع الالكتروني المخصّص لتخليده[1] أو على المقال الّذي نشره الدكتور فؤاد سلّوم في موقع بلدة القبيات الالكتروني[2].

 

ما سنحاول الإجابة عليه هنا هو السؤال: ماذا يعني لنا الخوري ميشال البريدي اليوم، نحن أبناء وكهنة المجمع البطريركي الماروني، الّذي طالما حلمت به كوكبةٌ من رجالات الكنيسة المارونيّة العظام ومنهم الخوري ميشال البريدي والخوري يواكيم مبارك والمونسينيور ميشال حايك...؟

 

الالتزام الكنسيّ

لقد التزم الخوري ميشال البريدي قضايا كنيسته المارونيّة وعرف أن يزاوج ما بين الدفاع عنها عند الاقتضاء[3] وما بين روح النقد البنّاء[4] الّذي يعوّل عليه لتدعيم البنية الكنسيّة وتطويرها.

فكم نحن بحاجةٍ لهذا النوع من الالتزام في كنيستنا لنكون أهلاً للمهمّة التي اختارها لنا الله في هذا الشرق الممزّق بآفات الحروب والنزاعات والانقسامات، عبر انتهاج أسلوب الخوري ميشال البريدي الذّي ثار دون أن يتمرّد فأثمرت ثورته إنتاجاتٍ ضخمة[5]، ساهمت بشكلٍ أساسيّ في النهضة القانونيّة والليتورجيّة والروحيّة التي شهدتها وما زالت تشهدها كنيستنا اليوم.

 

الانفتاح والثقافة الشاملة

لقد قيل يوماً:" عالمٌ كمارونيّ" والخوري ميشال البريدي يعتبر تجسيداً واقعيّاً لهذه المقولة في علمه وثقافته الشاملة التي تجلّت في إتقانه عشر لغات وفي مؤلّفاته التي ناهزت الستين بخمسٍ من هذه اللغات، فضلاً عن المقالات المتعدّدة التي نشرها في المجلات والصحف الروحيّة والزمنيّة، اللبنانيّة منها والأجنبيّة.

 

فما أحوجنا اليوم للتشبّه به، فنخرج من كلّ أشكال القوقعة الثقافيّة أو الفكريّة، والتي فرضتها أحياناً علينا، طوعاً أو قسراً، الظروف السياسيّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة، لنعود إلى الروح الكنسيّة الأصيلة، روح العنصرة، حيث لا معنى للفروق الإتنيّة أو الدينيّة أو الجنسيّة، لأن الإنسان هو القيمة الأولى والمطلقة، وفقاً لنظريّة الخوري البريدي في الانفتاح الثقافيّ إذ اعتبر أنّ ّتاريخ العالم يبين لنا أنّ تحقيق اتحادٍ دائمٍ ما بين مختلف الشعوب يتطلّب ائتلاف ثقافاتها معاً[6].

 

الجرأة وروح الحقّ

لقد دافع الخوري ميشال البريدي عن حقّ الإنسان وعن حقّ الكنيسة في التعبير عن آرائها في ظرفٍ تاريخيّ تميّز بالكثير من الصعوبات، ومنها خصوصاً النزاع الّذي سبق وتبع المجمع الفاتيكاني الثاني ما بين تياريّ:

- التقليديين المدافعين عن مكتسبات العصور الغابرة ولكن منهم من تعصّب حتى درجة رفض كلّ محاولات الإصلاح،

- والمحدثين الّذين رغبوا في إيجاد وسائل حديثة لنشر بشارة الكنيسة وتعليمها ولكن منهم أيضاً من تطرّف حتى درجة المطالبة بإلغاء الكثير من المسلّمات.

 

ما بين التيارين، اختار البريدي أن يتبنّى أفضل ما لدى الجهتين مبتعداً عن كّل تطرّف أو انكماشٍ أو انغلاق فظلّ:

- أميناً لتراثه الأنطاكيّ :" وأما الاتجاه "الأنطاكي" فهو ظاهر في كل أبحاثي حيث خدمت طائفة أنطاكية بشخص رجالاتها الموارنة من رهبان وعلمانيين!". وقد كرّس الكثير من كتاباته لبلورة هذا الفكر وتدعيم ركائزه.

- واضعاً لذاته الحدود اللازمة، إنطلاقاً من التزامه الكنسيّ:"... وقد حافظت دوماً على حدودي حبّاً بالنظام، وضحّيت بالكثير من حقوقي حبّاً بالوداعة والسلام" فعرف عنه مشاكساته مع السلطة الكنسيّة دون أن يؤدّي ذلك إلى انقطاع علاقته بالكنيسة الأمّ وبالكنيسة كأمّ فبقي يغنيها بأعماله وينهل من منابعها روحانيّته العميقة وفكره النيّر.

- وحرّاً في التعبير عن قناعاته ومبادئه رغم كلّ الإغراءات أو الصعوبات: "فقد بقيت حرّاً صامداً تجاه كل سلطة استبدادية أو إقطاعية" ولم يتخلّى يوماً عن قضيّته الكبرى: محبّة الله، محبّة الكنيسة ومحبّة الإنسان.

 

كم نحن بحاجةٍ اليوم لمؤمنين، على مثال الخوري ميشال البريدي، يوافقون ما بين أهوائهم وميولهم السياسيّة أو الفكريّة من جهة وما بين بنوّتهم المتجّددة للكنيسة إذ أنه :"... من العبث أن فتّش لدى غيرنا عن واقعٍ قيّمٍ موجودٍ عندنا ولا ينتظر إلا من يكشف عن جدّته وأصالته مما قد يغنينا جميعاً عن دروب المحاولات والمبادرات والاختبارات"[7].

 

هذا غيضٌ من فيض عن رجلٍ يرقد اليوم بهدوء في جوار دير الآباء الكرمليين في القبيات وما مقالنا هذا اليوم سوى وردة توضع على رخام قبره، لتعبّر عن شكرنا له وتقديرنا لأعماله.

 

القبيات في 16 تشرين الثاني 2008

 

الخوري نسيم كمال قسطون

أبرشيّة طرابلس المارونية

nkastoun@idm.net.lb

 


 [1] راجع http://www.breydy.org/biography.htm

[2]  راجع http://www.kobayat.org/data/michel_breydy/media/salloum.htm

[3]  راجع مقالة "الموارنة طارئون فمن تبقّى أصيلاً؟" المنشور في العدد 37 من مجلّة الرعيّة البيروتيّة عام 1967 والمتوافرة على الموقع:

                   http://www.kobayat.org/data/michel_breydy/doc/mawarina/mawarina.htm   

[4]  راجع مقالة " Pour l’église, c’est le temps de la démocratisation" المتوافرة على الموقع: http://www.kobayat.org/data/michel_breydy/doc/democratisation.htm

[5]  راجع لائحة مؤلّفاته على الموقع http://www.breydy.org/werke-liste.htm

[6]  راجع:  http://www.kobayat.org/data/michel_breydy/bio.htm

[7]  راجع http://www.kobayat.org/data/michel_breydy/doc/opinion-laique/Page_5.jpg

 

Webmaster Eng.Elie ABBOUD

Email : elie@kobayat.org

back to Michel Breydy Page